للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَضَاءُ الاِعْتِكَافِ

وقع فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آلبرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟ » الاستفهام حقيقي، «وتقولون» بمعنى: تظنُّون، فإنَّ القول يطلق بمعنى الظَّنِّ بعد الاستفهام في كلام العرب كلهم. وفصل بين الاستفهام، وفعل القول بالمعمول وهو فصل قصر إضافي، أي: أتظنون بهن البرَّ لا غير البر، والمخاطب الرجال الذين سألهم عن الأخبية وأجابوه. وفي الكلام تعريض بأنَّ الداعي لبعضهن في ذلك المنافسة في القرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - كيلا تستأثر إحداهن بقربه والكلام معه ومعاشرته، أي: فلم تكن نية بعضهن الاعتكاف باتداءً قبل أن ترى ضرَّتها قد نصبت خباءها؛ ولذلك كره لهنَّ رسول الله ذلك الاعتكاف؛ إذ لم يكن لمجرَّد البرَّ بل له ولغيره؛ وذلك لا يوجب بطلان العمل ولكنه أقلُّ من العمل المراد به البرُّ المجرد. وعدل هو عن الاعتكاف وعدل بهن؛ لأنهم لم يشرعوا فيه فلم يجب عليهم، والقصد من ذلك أن يكون عمله - صلى الله عليه وسلم - غير مشوب بما يشوش باله، وأن يكون عملهن غير مشوب بمقصود دنيوي؛ ولذلك لما اعتكف رسول الله إثر ذلك في شوال لم يأمرهن بالاعتكاف معه.

وتسمية ذلك قضاء في الترجمة مبنية على أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينصرف عن عمل نواه إلَّا ناويًا قضاءه. وليس ذلك من القضاء المتعارف في الفقه؛ لأنَّه إنَّما يقع في الواجبات؛ ولذلك قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر فصلَّاهما بعد العصر لما شغل عنهما كما في الحديث، فأعمال رسول الله ليس كأعمال سائر الأمَّة؛ فلذلك لم يأمرهن بالقضاء على انفراد.

النِّكاحُ فِي الاعْتِكَافِ

وقع فيه قول مالك رحمه الله: «فرق بين نكاح المعتكف وبين نكاح المحرم: أن المحرم

<<  <   >  >>