للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إضافة المصدر إلى مفعوله، ويجوز عوده إلى الرجل المرفوع، فيكون من إضافة المصدر إلى فاعله.

[القصاص في القتل]

قال مالكٌ: أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية قول الله تبارك وتعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] فهؤلاء الذكور: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: ١٧٨]، أنَّ القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور، والمرأة الحرَّة تقتل بالمرأة الحرَّة كما يقتل الحرُّ بالحرِّ، والأمة تقتل بالأمة كما يقتل العبد بالعبد، والقصاص يكون بين النِّساء كما يكون بين الرِّجال.

لعلَّ مالكًا رحمه الله إنما سمَّى هذا تأويلًا لكونه مخالفًا لظاهر الآية؛ لأنَّ ظاهر ما فيها من المقابلة في قصاص المثل بمثله في الصفة يفيد أنَّه لا قصاص بين المختلف في الصنف أو في الصفة. ومبنى هذا التأويل أنَّ الآية جاءت على ضرب من الإيجاز بديع يُعلم منه المقصود وهو التنبيه على شمول حكم القصاص في القتل سائر أصناف الناس، بحيث لا يظنُّ أحد أن بعض الأصناف معفوٌّ عن عمده؛ لضعفه كالمرأة، أو لدناءته كالعبد حتَّى يكونا كالعجماوات، وأن قوله: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} تقسيم واحد، أي: يقتصُّ من الذكر القاتل؛ ولذلك قال مالك بعده: «فهؤلاء الذكور». وقوله: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}، أي: يقتصُّ من الأنثى إذا قتلت. وكان شيخنا العلَّامة الوزير رحمه الله قال لي عند ذكر هذا التأويل: «فقول الشاعر، وهو الأخطل:

كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جرُّ الذُّيول

حكمٌ جاهليٌ جرى على لسان الشاعر». والآية دلَّت على أنَّ الحرَّ لا يُقتل بالعبد لقوله: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}. وأمّا قتل العبد بالحرِّ فمدلول بدلالة الفحوى. وكذلك قتل المرأة بالرَّجل والرَّجل بالمرأة، فمدلولان بدلالة لحن الخطاب، ولذلك لم ير مالك لزومًا لذكر ذلك، وقد زادته السنة بيانًا.

<<  <   >  >>