للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتفقهين هو الذي دعا السائل إلى سؤاله، وقد كان جواب مالك عن ذلك متوجهًا إلى التنبيه على مسألة تندرج في صور السؤال وجوابه، وهي أن هذا العود قد يكون عودًا إلى المرأة الواحدة وقد يكون عودًا إلى امرأة أخرى، وهذه الأخرى قد تكون أمةً وقد تكون حرةً، وحكم العود قبل الاغتسال لا يختلف في تلك الصور من حيث هو عود قبل غُسل؛ ولكنه يختلف بتعلُّقه بحكم آخر، وهو اقتضاء بعض صوره أن يكون العود إلى امرأة أخرى حرة، فهذه المرأة إذا لم تكن هي صاحبة يوم زوجها لم يجز له أن يصيبها في يوم الأخرى إلا بإذنها. وبذلك يعلم أن ما ورد من طواف النبي - صلى الله عليه وسلم - على نسائه في غسلٍ واحد، أي: في ليلة واحدة أو وقت بين وقتي صلاة من النهار هو خصوصية للرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو كان ذلك بإذنهن، أو لكونه سوى في ذلك بين جميعهن. وأفاد جواز إصابة امرأتين فأكثر في جنابة بقوله: «لا بأس أن يصيب الرجل جاريتيه قبل أن يغتسل».

التيمُم

أمر التيمم في الإسلام دقيق. ولقد تحيرت زمانًا في تطلب الحكمة التي لأجلها شُرع التيمم، فإن الطهارة مشروعة لذاتها، وجُعلت مقارنة للصلاة جمعًا بين الكمالات وتنويهًا بشأن الطهارة كما تقدم، وبقدر الصلاة وهي أعظم، وما يعرض للمسلم مما يمنعه من التطهر لفقد ماء، أو خوف من الوصول إليه، أو مرض هو مقتضٍ للعفو عن إيجاب الطهارة عليه، جريًا على تيسير الإسلام، وكان مناسبًا أن لا يقتضي تركه صلاته؛ لأن الصلاة أهم من الطهارة؛ ولأن تعذر الوسيلة لا ينبغي أن يجر إلى تعطيل المقصد. فكان وجوب الصلاة مع تعذر الطهارة شرعًا واضحًا، وكان تعويض الطهارة المائية بطهارة مائية أخرى متعذرًا، فكأن النظر يقتضي أن تسقط الطهارة عن عادم الماء والعاجز؛ ولذلك لما عدم المسلمون الماء في غزاة بني المصطلق تحيروا في أمر الصلاة، فنزلت آية التيمم. ولما أصابت عمر جنابة في غزوةٍ لم يصل، وأصاب عمارًا مثلُه،

<<  <   >  >>