للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[جامع الحسبة في المصيبة]

وقع فيه ما روى محمد بن كعب القرظي من قول المرأة الإسرائيلية للرجل العابد الفقيه الذي احتجب عن الناس آسفًا على زوجه لما توفيت: «إني استعرتُ حليًا من جارةٍ لي، فكنتُ ألبسه وأعيره زمانًا». ما ذكرته المرأة ليس من نعمة الله بالعارية، وما أخبرت به عن نفسها غير واقع، ولكنه لا يُعد من الكذب؛ إذ كان المقصود منه ضرب المثل مع إسفار الكلام في آخره عن مقصدها وأنها ما أرادت الكذب، وهذا مثل وضع مقامات الحريري، كما نبَّه عليه هو في «خطبته».

فإن قلت: التمثيل يتم بقولها: «إني استعرت حليا من جارة لي»، فما وجه زيادة قولها: «فكنت ألبسه» ثم زيادة قولها: «وأُعيره زمانًا»، فإن في الاقتصار على أنها استعارت مندوحة عن الزيادة في الإخبار بخلاف الواقع، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «في المعاريض مندوحة عن الكذب».

قلت: أرادت بذلك إتمام التمثيل؛ لأن في اللبس والإعارة للناس زيادة تمكن من الانتفاع وطول المكث بحيث أشبه الملك لعلم الجارة بتصرف المستعيرة تصرفًا واسعًا؛ ولذلك أعادت على الفقيه لما أفتاها برده، فقالت: «إنه مكُث عندي زمانًا».

* * *

ووقع فيه قولها: «أي يرحمك الله» فقد ضبطه الشارح الزرقاني بفتح الهمزة وسكون الياء حرف نداء؛ فيكون المنادي محذوفًا؛ فيرجع النداء إلى كونه مستعملًا في التنبيه.

<<  <   >  >>