للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القراءة في المغرب والعشاء]

مالكٌ عن أبي عُبيد مولى سُليمان بن عبد الملك، عن عُبادة بن نُسي، عن قيس بن الحارث، عن أبي عبد الله الصنابحي قال: قدمت المدينة في خلافة أبي بكرٍ الصديق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، ثم قام في الثالثة، فدنوت منه، حتى أن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن، وبهذه الآية: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: ٨].

يحتمل أنه دنا بعد أن كان قريبًا منه، فيكون قد أحدث عملاً، وذلك لا يضر؛ لأنه عمل لتعلُّم أحكام الصلاة كالعمل لإصلاحها، ويحتمل أنه أراد: فكنت دانيًا منه. وكان قدوم أبي عبد الله الصنابحي المدينة عقب وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أيام، فصادفته في مدة إقامته حوادث ارتداد فريق من العرب، فكانت قراءة الصديق - رضي الله عنه - تلك الآية في الركعة الأخيرة من المغرب دعاء، كالقنوت من شدة عظمة ارتداد العرب في نفسه وكيف زاغت قلوبهم بعد أن اهتدوا، فكان من تلك العظة خائفًا من الزيع، فالتجأ إلى الله بالدعاء بالنجاة منه. وقد أخرج مالك هذا الحديث من فعل الصديق والحديث الذي بعده من فعل عبد الله بن عمر، وإن لم يكن يرى قراءة السورة بعد الفاتحة في ثالثة المغرب وفي ثالثة ورابعة الظهر، والعصر، والعشاء، ثم أخرج بعدهما حديث البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العشاء بالتين والزيتون، أي وسورة أخرى، فعلمنا أن مالكًا نظر في الآثار نظر اجتهاد وأنه حمل حديث قراءة الصديق على محمل الدعاء والقنوت، وحمل حديث قراءة ابن عمر السورة في الأربع أنه اجتهاد. ورجح مالك الأحاديث الدالة على أن السورة لا تقرأ في غير الركعتين الأوليين، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو قرأها لعلم الناس مقدار قراءتها؛ إذ لا يشتبه عليهم قدر ما تقرأ فيه أم القرآن وحدها وقدرها مع سورة أخرى، كما علمت

<<  <   >  >>