للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: «ويترك ما كان لله معصية». توقَّف في معناه الباجي، وابن عبد البرِّ فتأوله ابن عبد البرِّ في «التمهيد» في أحاديث ثور بن زيد شيخ مالك بأن قوله: «ويترك ما كان لله معصية» يدلُّ على أنَّ كلَّ ما ليس لله بطاعة حكمه حكم المعصية في أنَّه لا يلزم الوفاء به ولا الكفارة عنه. يريد فيكون الكلام جاريًا على معنى التشبيه البليغ ونظيره قول مالك في باب القضاء باليمين مع الشاهد من «الموطإ» «وإنما العتاقة حَدَّ» كما سنبينه هنالك، وهذا التأويل بعيد. وقال الباجي في «المنتقى»: «يحتمل أن تمسيه القيام في الشمس والصمت معصيةٌ وإن كان مباحًا في الأصل لوجيهن:

أحدهما: أنه نذر كان معصية؛ لأنَّه لا يحلُّ أن ينذَر ما ليس بقُربه، ولو فعل على غير وجه النذر والتقرب به لكان مباحًا.

والوجه الثاني: أنه إذا بلغ به حدَّ الاستضرار والتعب كان معصية سواء فُعل بنذر أم بغير نذر».

وقال في الكلام على حديث: «من نذر أن يعصي الله، فلا يعصه» في آخر الباب: يحتمل أن نذر مثل هذا عند مالك معصيةٌ، وتأوَّله ابن العربي في «القبس» بمثل الوجه الثاني في كلام الباجي فقال كلمة نصُّها: «وإذا كان الناذر عاجزًا، فالنذر معصية وعليه بوَّب مالك وأدخل حديث أبي إسرائيل: «نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظلَّ، ولا يتكلَّم، ويصوم فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: مروه فليتكلم» الحديث. وقال في «ترتيب المسال»: «وما قُطع في المعصي أو أثر في الصحة فإنَّه يسقط عنه؛ لأنَّه معصية» اهـ؛ فيؤول هذا التأويل إلى تحريم تعذيب المرء نفسه وهو حرام لما قاله فقهاؤنا من أنَّ تعذيب الحيوان لغير أكله ولغير الانتفاع المأذون فيه لا يحلُّ، وجعلوا سباق الخيل والإبل رخصة؛ لأنَّه مباح مستثنى من أصل ممنوع. وأقول: ترجم

<<  <   >  >>