للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«هل لك من إبل؟ » قال: نعم، قال: «فما ألوانها»، قال: حُمر، قال: «فهل فيها من أورق؟ » قال: نعم، قال: «فأنى أتاها ذلك؟ » قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» ولم يرخص له في الانتفاء منه اهـ.

ولا أنسى أن في بعض الناس غفلة وسرعة وفي بعضهم رقة دين وقلة مروءة؛ فكل هؤلاء لا يعتمد على ظنونهم ولا على ثباتهم ولا على أيمانهم.

وقد علمنا من النظائر الشرعية أن الشريعة في مثل هذا الحق رجحت النادر على الغالب، من أجل ذلك قضت بلحاق الولد بأبيه إذا ولدته المرأة لستة أشهر، وقضت بإقامة الحد على القاذف بالزنا إذا نقص واحد من الأربعة الشاهدين به. ولا أنسى أن في غير العرب من الأمم أناسًا كثيرين تمتلكهم الأوهام ويقضون بالأحلام، وقد شاهدت كثيرًا من تساهل رجال كثيرين في نفي أولادهم تفصيًا من النفقات أو نكاية بالأصهار والزوجات.

فلا ينبغي أن تكون إضاعة الآباء حقوقهم في اتصال أنسابهم بأبنائهم أصلاً نعتمد عليه في إضاعة حقوق الأبناء في اتصالهم بآبائهم؛ وليس هذا الحق بدون حق الأب، فإن انتفاء الولد من نسب أبيه يجعله في سوء حال من الحياة في صغره وكبره.

وفي النوازل أحوال تقرب من اليقين في نفي الحمل؛ كمن سافر وترك زوجه مدة طويلة فوجدها حاملاً، وكما لو بقيت المرأة بعيدة عن زوجها بحيث يوقن أنه لم يقربها مدة طويلة ثم يظهر بها حمل، فتحمل الأب مثل هذا حرج عليه.

فمن أجل ذلك قال مالك وجماعة من العلماء بإجراء اللعان بسبب نفي الحمل، وجعلوه موجبًا لانتفاء النسب عن المُلاعن مع تحقق الاستبراء، وإنما اختلف في صفة الاستبراء، وأما من اشترط في اللعان بنفي الحمل أن يكون مع النفي رؤية زنا المرأة فهو شرط لا دليل عليه ولا نظير يقتضيه، ومن العجيب أن يعد الاستبراء في مثله بحيضة مع أنهم لم يكتفوا بها في العدة، وهما من قبيل واحد إن لم يكن أمر اللعان أعظم؛ لأنه نفي نسب واقع والعدة لحفظ نسب متوقع؛ فليكن مبنى الفقه في هذا الأمر إما التمكين

<<  <   >  >>