للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطاب يقرؤها: «إذا نُودي للصلاة من يوم الجمعة، فامضوا إلى ذكر الله».

قال مالك: وإنما السعي في كتاب الله العمل والفعل. يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة: ٢٠٥]. وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى} [عبس: ٨، ٩] وقال: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات: ٢٢] وقال: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: ٤] قال مالك: فليس السعي الذي ذكر الله تعالى في كتابه بالسعي على الأقدام ولا الاشتداد، وإنما على العمل والفعل.

جعل ابن شهاب قراءة عمر بن الخطاب تفسيرًا لقراءتنا المشهورة، ومثله قرأ عبد الله ابن مسعود.

وقول مالك: «وإنما السعي في كتاب الله العمل والفعل» أي: في هذه الآية. وهذا تفسير مخالف لتفسير ابن شهاب، رأى مالك أنه المناسب للآية. وهذا المعنى للسعي مجاز مشهور في كلام العرب، ومنه تسمية المتوسطين في الصلح بين القبائل سُعاة، قال زهير:

سعى ساعيًا غيض بن مُرة بعد ما ... تبزل ما بين العشيرة بالدم

وهذا أيضًا كما يقولون: ذهب، أي عمل، قال تعالى: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاس} [طه: ٩٧]، وقال الحماسي:

فإن كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل

وليس مالك مريدًا لحمل السعي على المعنى المجازي أينما جاء في كتاب الله. فقد جاء السعي في كتاب الله على حقيقته؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: ٢٠]. وإنما حمل مالك رحمه الله الآيات التي ساقها هنا على محمل المعنى المجازي للسعي؛ لأن بعضها متعين فيه ذلك مثل آية الجمعة؛ إذ لا يكون السعي بمعناه الحقيقي مما يؤمر به؛ إذ لا أثر له في الامتثال، فإن المقصود الوصول إلى الجامع، فهو هنا تمهيد وتوطئة؛ لقوله عقبه: {وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذَا قُضِيَتِ

<<  <   >  >>