فالجاري على ما تقدم في الفقير أن يعطى المدين أو الغريب الهاشمي منها لوفاء الدين أو لما يوصله لبلده، فهذه الأصناف الثمانية هي المذكورة في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة: ٦٠] إلخ فلا تجزئ لغيرهم كسور وسفن لغير جهاد في سبيل الله وشراء كتب علم ودار لتسكن أو ضيعة لتوقف على الفقراء.
(وندب إيثار المضطر) أي المحتاج على غيره بأن يخص بالإعطاء أو يزاد له فيه على غيره على حسب ما يقتضيه الحال، إذ المقصود سد الخلة (لا تعميم الأصناف) فلا يندب بل متى أعطى لأي شخص موصوف بكونه من أحد الأصناف الثمانية كفى.
(و) ندب (الاستنابة) فيها: لأنها أبعد من الرياء وحب المحمدة.
(وجاز دفعها): أي الزكاة (لقادر على الكسب) إذا كان فقيراً ولو ترك التكسب اختياراً.
(و) جاز (كفاية سنة) أي إعطاء فقير أو مسكين ما يكفيه سنة (ولو) كان (أكثر منه): أي من نصاب لا أكثر من كفاية سنة ولا أقل منه.
(و) جاز (ورق) أي إعطاؤه (عن ذهب وعكسه) بلا أولوية لأحدهما عن الآخر، وقيل بأولوية الورق عن الذهب لأنه أيسر في الإنفاق، وأما إخراج الفلوس عن أحد النقدين فالمشهور الإجزاء مع الكراهة، معتبراً إخراج أحدهما عن الآخر.
(بصرف الوقت) أي وقت الإخراج لا وقت الوجوب؛ المسكوك بصرفه، وغيره بصرفه. ولا تعتبر قيمة الصياغة؛ فمن عنده حلي أخرج صرف زنته لا قيمة صياغته.
ــ
ابن السبيل منها إن خرج في معصية، وإن خشي عليه الموت نظر في تلك المعصية؛ فإن كان يريد قتل نفس أو هتك حرمة لم يعط إلا إن تاب. ولا يعطى منها ما يستعين به على الرجوع إلا أن يكون قد تاب أو يخاف عليه الموت في بقائه: فقد فصلت بين سيره للقتل وهتك الحريم - فلا يعطى إلا إن تاب - وبين رجوعه لبلده فيعطى إن تاب أو خيف عليه الموت وهو ظاهر.
قوله: [فالجاري على ما تقدم]: تحصل أن اشتراط عدم كونه هاشمياً في تلك الأصناف إنما هو لشرفه، فإن أدى منعه منها إلى الضرر به قدم ويلغى الشرط ارتكاباً لأخف الضررين.
قوله: [لغير جهاد في سبيل الله]: أي وأما له فيجوز. كما قال ابن عبد الحكم: ينشئ منها المركب للغزو ويعطى منها كراء النواتية ويبنى منها حصن على المسلمين. ولم ينقل اللخمي غيره، واستظهره في التوضيح. وقال ابن عبد السلام هو الصحيح - كذا في البناني نقله في حاشية الأصل. قال الخرشي: ومثل السور والمركب؛ الفقيه والقاضي والإمام، لكن قال في الحاشية: محل كون الفقيه الذي يدرس العلم أو يفتي لا يأخذ منها إذا كان يعطى من بيت المال، وإلا فيعطى منها ولو كثرت كتبه حيث كان فيه قابلية، فإن لم تكن فيه قابلية لم يعط إلا أن تكون كتبه على قدر فهمه، ولكن قال اللخمي وابن رشد: إذا منعوا حقهم من بيت المال جاز لهم أخذ الزكاة مطلقاً، سواء كانوا فقراء أو أغنياء بالأولى من الأصناف المذكورة في الآية. اهـ.
قوله: [لا تعميم الأصناف فلا يندب]: أي لأن اللام في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة: ٦٠] الآية لبيان المصرف لا للملك. وأوجب الشافعي تعميم الأصناف إذا وجدوا، ولا يجب تعميم أفرادهم إجماعاً لعدم الإمكان، واستحب أصبغ مذهب الشافعي قال: لئلا يندرس العلم باستحقاقهم ولما فيه من الجمع بين المصالح، ولما فيه من سد الخلة والغزو ووفاء الدين وغير ذلك، ولما يوجبه من دعاء الجميع ومصادفة ولي فيهم. كذا في الخرشي.
قوله: [كفى]: أي ولو كان الآخذ لها العامل إذا كانت قدر عمله وأخذ الزائد بوصف الفقر.
قوله: [وندب الاستنابة]: أي وقد تجب على من تحقق وقوع الرياء منه، ومثله الجاهل بأحكامها ومصرفها. ومن آدابها دفعها باليمين، ودعاء الجابي والإمام لدافعها، وأوجبه داود.
قوله: [فالمشهور الإجزاء]: خلافاً لمن يقول بعدمه لأنه من باب إخراج القيمة عرضاً.
وقوله: [مع الكراهة]: هكذا في التوضيح والحطاب عن النوادر.
قوله: [بصرف الوقت]: الباء للملابسة متعلقة بإعطاء، أي: متلبساً ذلك الإعطاء بصرف الوقت.
قوله: [المسكوك بصرفه] إلخ: أي فمن وجب عليه دينار من أربعين مسكوكة وأراد أن يخرج عنه مسكوكاً من غير نوعه أو من نوعه فالأمر ظاهر، وإن أراد أن يخرج عنه فضة غير مسكوكة وجب عليه مراعاة سكة الدينار زيادة على صرفه غير مسكوك، لأن الأربعين المسكوكة يجب فيها واحد مسكوك. وكذا إن أراد يخرج عنها ديناراً غير مسكوك من التبر مثلاً وجب عليه مراعاة السكة فيزيدها على وزن الدينار. وسواء ساوى الصرف الشرعي - وهو كل دينار بعشرة دراهم - أو نقص أو زاد. وما ذكر من إخراج قيمة السكة إذا أخرج من نوعه غير مسكوك هو ما لابن الحاجب وابن بشير وابن عبد السلام؛ لأن الفقراء شركاء وإن لم تعتبر السكة في النصاب كما سبق. وفي (ر) و (بن): اعتراضه بأنه ربا لم يقل القابسي القائل باعتبار السكة.
قوله: [لا قيمة صياغته]: فمن كان عنده ذهب مصوغ وزنه أربعون ديناراً ولصياغته يساوي خمسين، فإنه يخرج عن الأربعين ويلغي الزائد وهذا إذا أخرج عنه من نوعه كذهب عن ذهب. وأما لو أخرج ورقاً عن ذهب مصوغ، فهل هو