للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[باب في الاعتكاف]

(الاعتكاف نافلة) من نوافل الخير، (مرغب فيه) شرعاً (وهو) في الأصل: مطلق اللزوم لشيء، وشرعاً: (لزوم مسلم مميز) من إضافة المصدر لفاعله؛ فلا يصح من كافر ولا من غير مميز. (مسجداً) مفعول المصدر فلا يصح في غيره من بيت أو خلوة، (مباحاً) للناس فلا يصح في مسجد البيوت المحجورة (بصوم): أي صوم كان فرضاً أو نفلاً، رمضان أو غيره (كافاً) حال من مسلم (عن الجماع ومقدماته) ليله ونهاره وإلا فسد.

(يوماً بليلته) أي ليلة اليوم وهي السابقة عليه كليلة الخميس ويومه، وهذا إشارة إلى أقله، (فأكثر) فيه إشارة إلى أنه لا حد لأكثره، وأحبه عشرة أيام، وقوله: "يوماً" ظرف "للزوم". (للعبادة) متعلق بلزوم، وسيأتي بيان أفضلها (بنية): الباء للملابسة أو بمعنى مع، متعلقة بـ (لزوم) إذ هو عبادة، وكل عبادة تفتقر لنية.

(ومن فرضه الجمعة): وهو الذكر الحر البالغ المقيم، (و) نذر أو أراد اعتكافاً (تجب) الجمعة (به) أي فيه -أي في زمنه- كسبعة أيام فأكثر أو أقل والجمعة في أثنائه كثلاثة أيام أولها الخميس، (فالجامع) متعين في حقه.

(وإلا) يعتكف في الجامع، بل اعتكف في مسجد غيره (خرج) للجمعة وجوباً (وبطل) اعتكافه بمجرد خروجه برجليه معاً (ويقضيه) وجوباً وشبه في وجوب الخروج والبطلان والقضاء قوله:

ــ

خاتمة: من أفطر متعمداً في قضاء رمضان فإنه يؤدب، ومثله من أفطر متعمداً في كل واجب. ولو كان فطره بما يوجب الحد كفاه الحد وقيل يجمع بينهما والأول أوجه. واختلف: هل يلزمه قضاء القضاء فيقضي يومين: يوماً عن الأصل، ويوماً عن القضاء؟ أو لا يلزمه إلا الأصل؟ وهو الأرجح، وأما إن أفطر سهواً أو لعذر فلا يقضي اتفاقاً. واختلف: هل يؤدب المفطر عمداً في النفل لغير وجه أو لا يؤدب للخلاف فيه وهو الذي جزم به في المجموع تبعاً للبناني، وترك المصنف هنا مسائل النذر اتكالاً على ما يأتي في بابه، وذكرها هنا خليل استطراداً والله أعلم.

باب في الاعتكاف [١]

لما أنهى الكلام على ما أراده من فروع الصوم، وكان من حكمة مشروعيته تصفية مرآة العقل والتشبه بالملائكة الكرام في وقته، أتبعه بالكلام على الاعتكاف التام الشبه بهم في استغراق الأوقات في العبادات، وحبس النفس عن الشهوات، وكف اللسان عما لا ينبغي. ويقال: عكف يعكف -بالضم والكسر- عكفاً وعكوفاً: أقبل على الشيء مواظباً، واعتكف وانعكف بمعنى واحد، وقيل اعتكف على الخير وانعكف على الشر اهـ. خرشي.

قوله: [نافلة]: صادق بالندب والسنية؛ وهما قولان.

قوله: [مطلق اللزوم]: أي لخير أو شر، ومنه قوله تعالى: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} [الأعراف: ١٣٨] قوله: مميز: هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب ولا ينضبط بسن بل يختلف باختلاف الناس، ويخاطب المميز غير البالغ بالصوم تبعاً للاعتكاف لأنه من شروط صحته، وتقدم كراهة الصوم له استقلالاً.

قوله: [فلا يصح في مسجد البيوت]: أي ولو للنساء، ولا في الكعبة، ولا في مقام ولي حيث كان محجوراً، وأما لو كان غير محجور وجعل مسجداً كمقام الحسين والشافعي والسيد البدوي فيصح الاعتكاف فيه، ولا يصح في رحبته ولا في الطرق المتصلة به، إذ لا يقال لواحد منهما مسجد، ولا يصح في بيت القناديل والسقاية والسطح.

قوله: [وهذا إشارة إلى أقله]: أي الذي يلزم بالنذر المطلق كقوله: نذرت الاعتكاف أو اعتكافاً.

قوله: [أنه لا حد لأكثره]: أي من جهة الصحة بدليل ما بعده.

قوله: [وأحبه عشرة أيام]: أي ومنتهى المندوب شهر، قال في المجموع: وهذا زبدة خلاف كثير، وكره الأقل عن العشرة والزائد عن الشهر.

قوله: [للعبادة]: أي لأجل العبادة فيه بأي نوع منها.

قوله: [وسيأتي بيان أفضلها]: أي وهو اشتغاله بذكر نحو لا إله إلا الله، واستغفار وتلاوة القرآن، والصلاة التي هي مجمع الذكر والقرآن.

قوله: [خرج للجمعة وجوباً]: أي ما لم يكن يجهل أن الخروج منه مبطل كحديث عهد بالإسلام فيعذر ولا يبطل اعتكافه بخروجه كما في الخرشي وقيده أيضاً بما إذا نذر أو نوى أياماً تأخذه فيها الجمعة كما قال الشارح، وأما لو نذر أياماً لا تأخذه فيها الجمعة فمرض فيها بعد أن شرع، ثم خرج ثم رجع يتم وصادف الجمعة، قال فلا خلاف، أن هذا يخرج إليها ولا يبطل اعتكافه، ولكن قال في التوضيح هذا التفصيل لابن الماجشون وهو خلاف المشهور ومثله لابن عرفة.

وحاصل ما في المسألة: أن من اعتكف في غير الجامع، وهو ممن تلزمه الجمعة، ووجبت عليه الجمعة وهو في معتكفه، وجب عليه أن يخرج لها وقت وجوب السعي لها، وفي بطلان اعتكافه بذلك الخروج وعدم بطلانه أقوال ثلاثة: البطلان مطلقاً وهو المشهور، وعدمه مطلقاً وهو رواية ابن الجهم عن مالك، والتفصيل الذي تقدم ذكره في حاشيه الأصل نقلاً عن (بن).

ومفهوم قوله: "خرج" أنه إن ارتكب النهي ولم يخرج لم يبطل على الظاهر إذا لم يرتكب كبيرة، وإنما ارتكب صغيرة لأن ترك الجمعة لا يكون


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] قوله: (في الاعتكاف) ليس في ط المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>