(باب)
ذكر فيه حد الشارب وأشياء توجب الضمان
فقال: (يجلد): ثمانين على ظهره كما يأتي (المسلم) فلا يحد الشارب الكافر، ويؤدب إن أظهره (المكلف) الحر ذكراً أو أنثى بعلم منه أنه طائع، إذ المكره ليس مكلفاً وخرج أيضاً الصبي والمجنون ويؤدب الصبي.
(بـ) سبب (شرب) ولا يكون إلا بالفم إذا وصل لحلقه ولو لم يصل لجوفه، لا ما وصل من أنف ونحوه ولو سكر بالفعل.
(ما يسكر جنسه): ولو لم يسكر بالفعل لقلته، أو لاعتياده، لا بما لا يسكر جنسه، ولو اعتقده مسكراً. نعم عليه إثم الجراءة.
(مختاراً) قد علمت أنه يغني عنه التكليف (بلا عذر) احترازاً عمن ظنه غير مسكر.
(و) بلا (ضرورة): فلا حرمة على من شربه لغصة كما يأتي، وهي من العذر فيغني عنه ما قبله.
(وإن قل) جداً بل ولو غمس إبرة في مسكر ووضعها في فيه وبلع ريقه، فيحد كمن شرب كقنطار. وقيل: لا يحد لأنه ليس شرباً، واستظهر.
(أو جهل وجوب الحد) مع علم الحرمة، أو جهل الحرمة لقرب عهد بإسلام، فإنه يحد، ولو كان حنفياً يشرب النبيذ وهو ما كان من غير ماء العنب وشرب منه قدراً لا يسكر، ورفع لمالكي، فيحد (ثمانين) جلدة: معمول "يجلد" (بعد صحوه): فإن جلد قبل صحوه فيكفي إن كان عنده شعور بألم الجلد، وإلا أعيد.
(وتشطر) الحد (بالرق) وإن قل الرق فيجلد أربعين.
(إن أقر): بالشرب، لكن إن رجع بعد إقراره يقبل ولو لغير شبهة (أو شهد عدلان بشرب أو شم) لرائحته في فمه لعلمهم ذلك، إذ قد يعرفها من لا يشربها (أو) شهد (أحدهما بواحد): كشهادة عدل برؤية الشرب (و) شهادة (الثاني بالآخر): أي رائحتها (أو بتقايئه): أي الخمر. ومتى شهدا بالشرب إلخ فيحد الشارب
ــ
[باب ذكر فيه حد الشارب]
أي بين فيه حقيقة الشارب وقدر حده وكيفيته.
قوله: [على ظهره]: أي وكتفيه.
قوله: [ويؤدب إن أظهره]: أي إن كان ذمياً.
قوله: [الحر]: زاده الشارح أخذاً له من قول المصنف الآتي "وتشطر بالرق".
قوله: [ويؤدب الصبي]: أي المميز للإصلاح لا لكونه فعل حراماً.
قوله: [بسبب شرب]: يؤخذ منه أن الحد مختص بالمائعات، أما اليابسات التي تؤثر في العقل فليس فيها إلا الأدب كما أنه لا يحرم منها إلا القدر الذي يؤثر في العقل لا ما قل؛ لأنها طاهرة بخلاف الخمر في جميع ذلك أفاده (بن).
قوله: [ولا يكون إلا بالفم]: أي كالنظر فإنه لا يكون إلا بالعين، والسمع فإنه لا يكون إلا بالأذن.
قوله: [ولو لم يصل لجوفه]: أي بأن رده بعد وصوله لحلقه.
قوله: [ونحوه] أي كالأذن والعين.
قوله: [ولو اعتقده مسكراً]: أي فإذا شرب شيئاً يعتقد أنه خمر فتبين أنه غير خمر فلا يحد وعليه إثم الجراءة.
قوله: [احترازاً عمن ظنه غير مسكر]: أي بأن ظنه خلاً مثلاً.
قوله: [فلا حرمة على من شربه]: أي على الراجح ولا حد أيضاً، ولو سكر منه قال (عب) والظاهر كراهة قدومه على شربه مع ظنه غيره وأما مع شكه فيحرم والظاهر أنه لا يحد لدرئه بشبهة الشك.
قوله: [وهي من العذر فيغني عنه ما قبله]: أجيب بأن المراد بالعذر الغلط وهو غير الضرورة.
قوله: [وإن قل جداً]: أي لخبر: «ما أسكر كثيره فقليله حرام».
قوله: [وقيل لا يحد] إلخ: قائله الشيخ إبراهيم اللقاني وأفاد أن الحد فيه من التعمق في الدين.
قوله: [فإنه يحد]: فإن قيل: لِمَ لم يعذر هنا وعذر في الزنا بجهل الحكم إن جهل مثله؟ فالجواب أن الشرب أكثر وقوعاً من غيره، ولأن مفاسده أشد من مفاسد الزنا لكثرتها لأنه ربما حصل بشربه زنا وسرقة وقتل ولذا ورد أنها أم الخبائث أفاده (عب).
قوله: [يشرب النبيذ]: أي يرى حل شرب القدر الذي لا يسكر منه. وحاصل الفقه أن الخمر وهو ما اتخذ من عصير العنب ودخلته الشدة المطربة شربه من الكبائر وموجب للحد إجماعاً لا فرق بين كثيره وقليله الذي لا يسكر، وأما النبيذ وهو ما اتخذ من ماء الزبيب أو البلح ودخلته الشدة المطربة فشرب القدر المسكر منه كبيرة، وموجب للحد إجماعاً، وأما شرب القدر الذي لا يسكر منه لقلته فقال مالك: هو كذلك. وقال الشافعي: هو صغيرة ولا يوجب حداً ولا ترد به الشهادة. وعن أبي حنيفة: لا إثم في شربه بل هو جائز فلا حد فيه ولا ترد به الشهادة، فإن كان لا يسكر الشخص إلا أربعة أقداح فلا يحرم عنده إلا القدح الرابع، وقيد بعض الحنفية الجواز بما إذا كان الشرب للتقوي على الجهاد ونحوه لا لمجرد اللهو.
قوله: [ورفع لمالكي]: أي فيحده المالكي، ولو قال له: أنا حنفي لضعف مدرك حله وقيل لا يحد مراعاة للخلاف.
قوله: [معمول يجلد]: وذكره الشارح فيما تقدم بلصقه بطول الفصل.
قوله: [وإلا أعيد]: أي من أوله وهذا إذا لم يحصل له إحساس حال الضرب أصلاً، وأما إن لم يحس في أوله وأحس في أثنائه حسب من أول ما أحس كما قال اللخمي.
قوله: [وتشطر الحد بالرق]: أي ولا فرق بين الذكر والأنثى.
قوله: [إن أقر] إلخ: شرط في قوله "يجلد".
قوله: [إذ قد يعرفها من لا يشربها]: جواب عما يقال إنه لا يعرف رائحتها إلا من شربها ومن شربها لا تقبل شهادته فيها لأنه إن لم يتب