للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(باب)

في الوديعة وأحكامها

(الوديعة) مأخوذة من الودع بفتح الواو بمعنى الترك، وفعيلة: بمعنى مفعولة، وحقيقتها عرفاً: (مال) فمن استحفظ ولده أو زوجته غيره فلا يسمى وديعة عرفاً (موكل) اسم مفعول أي وكل ربه غيره (على حفظه) أي مجرد حفظه، فخرج القراض والإبضاع والمواضعة والوكالة.

ولما كانت الوديعة أمانة، وكل أمانة لا يضمنها الأمين إلا إذا فرط من يصح توكيله فيها، أشار لذلك بقوله [١]: (تضمن بتفريط رشيد، لا) بتفريط (صبي و) لا (سفيه) كذا عبد لم يأذن له سيده، لعدم صحة وكالتهم كما تقدم، فمن استودع واحداً منهم فهو المفرط في ماله إلا أن في العبد تفصيلاً سيذكر قريباً (وإن أذن أهله) أي: ولي الصبي والسفيه فلا ضمان إلا فيما صون به ماله وهو مليء كما تقدم وأشار للتفصيل في العبد بقوله: (ويضمنها) العبد (غير المأذون) إذا قبلها بغير إذن سيده وفرط (في ذمته إن عتق) لا إن لم يعتق (إلا أن يسقطها) أي يسقط ضمانها (عنه سيده قبله) أي قبل العتق فلا ضمان عليه.

وأما المأذون له في التجارة فيضمنها في ذمته عاجلاً في ماله لا مال السيد، ولا يتوقف الضمان على عتقه. وكذا الصبي إذا نصبه وليه للتجارة فقولهم: لا ضمان على صبي فرط وإن أذن له وليه: أي ما لم ينصبه للتجارة والمعاملات بين الناس.

ثم بين وجوه التفريط بقوله: (فتضمن) الوديعة (بسقوط شيء عليها منه): أي من يد المودع ولو خطأ؛ لأن الخطأ كالعمد في الأموال وزدنا عليه لفظ منه لبيان مراده إذ هو محل التفريط (لا) يضمن (إن انكسرت) الوديعة منه (في نقل مثلها المحتاج إليه) من مكان إلى آخر فإذا لم تحتج إلى النقل فنقلها، أو احتاجت ونقلها نقل غير مثلها

ــ

مسألة أخرى: لو استلحق رجل ولداً ولحق به شرعاً ثم أنكره ثم مات الولد بعد الإنكار فلا يرثه أبوه المنكر ووقف ماله، فإن مات الأب فلورثته؛ لأن إنكاره لا يقطع حقهم وقضي به دينه إن مات وعليه دين، وإن قام غرماؤه عليه وهو حي أخذوه في دينهم، وأما لو مات الأب أولاً فإن الولد يرثه ولا يضر إنكار أبيه، ويلغز بهذه المسألة: ابن ورث أباه ولا عكس وليس بالأب مانع، ويقال أيضاً: مال يرثه الوارث ولا يملكه مورثه، ويقال أيضاً: مال يوقف لوارث الوارث دون الوارث ويقال أيضا: مال يقضى منه دين الشخص ولا يأخذه هو.

[باب في الوديعة]

حكمها كما قال (شب) عن ابن عرفة: من حيث ذاتها للفاعل والقابل مباحة، وقد يعرض وجوبها: كخائف فقدها الموجب هلاكه أو فقره إن لم يودعها مع وجود قابل لها يقدر على حفظها. وحرمتها: كمودع شيء غصبه ولا يقدر القابل على جحدها ليردها إلى ربها أو للفقراء إن كان المودع مستغرق الذمة، ولذا ذكر عياض في مداركه عن بعض الشيوخ: أن من قبل وديعة من مستغرق ذمة ثم ردها إليه ضمنها للفقراء، ثم قال: وندبها حيث يخشى ما يوجبها دون تحققه، وكراهتها حيث يخشى ما يحرمها دون تحققه اهـ.

قوله: [بمعنى للترك]: أي ومنه قوله تعالى: {ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: ٣] أي ما ترك عادة إحسانه في الوحي إليك؛ لأن المشركين ادعوا ذلك لما تأخر عنه الوحي.

قوله: [وفعيلة بمعنى مفعولة]: المناسب التفريع بالفاء.

قوله: [وحقيقتها عرفاً]: أي وأما لغة: فهي الأمانة، وتطلق على الاستنابة في الحفظ. وذلك يعم حق الله وحق الآدمي.

قوله: [أي وكل ربه غيره على حفظه]: أي فالإيداع نوع خاص من التوكيل؛ لأنه وكيل على خصوص حفظ المال. وإذا علمت أن الإيداع توكيل خاص تعلم أن كل من جاز له أن يوكل وهو البالغ العاقل الرشيد جاز له أن يودع، ومن جاز له أن يتوكل جاز له أن يقبل الوديعة.

قوله: [فخرج القراض]: أي؛ لأنه موكل على حفظه والتجر فيه والإبضاع؛ لأنه موكل على حفظه والتصرف فيه بما أمره المالك، وخروج الأمة التي تتواضع؛ لأنه ليس المقصود منها حفظ ذات الأمة من حيث هي، بل المحافظة عليها لأجل رؤية الدم.

وقوله: [والوكالة]: أي مطلقاً على نكاح أو طلاق أو اقتضاء دين أو مخاصمة؛ لأنه ليس توكيلاً على مجرد حفظ مال.

قوله: [من يصح توكيله]: أي وهو البالغ العاقل الرشيد.

قوله: [سيذكر قريباً]: أي في قوله ويضمنها العبد غير المأذون إلخ قوله: [إلا فيما صون به ماله]: أي يضمن قدر المال الذي صون كما لو كان يصرف من ماله كل يوم عشرة فانتفع بتلك الوديعة في يوم من الأيام، فإنه لا يؤخذ من ماله إلا مقدار عشرة ولو كانت الوديعة مائة.

قوله: [غير المأذون]: أي وغير المكاتب.

قوله: [إلا أن يسقطها]: أي؛ لأن للسيد إسقاط الحقوق المالية التي تعلقت بالعبد غير المأذون قبل عتقه ويصير لا تبعة عليه بعد ذلك.

قوله: [وأما المأذون له في التجارة]: أي ومثله المكاتب.

قوله: [أي ما لم ينصبه للتجارة]: أي كالصبيان الجالسين في الدكاكين بمصر: فضمانهم كضمان الحر الرشيد؛ لأن يدهم بمنزلة يد أوليائهم.

قوله: [ولو خطأ]: أي هذه إذا كان السقوط عمداً، بل ولو كان خطأ كمن أذن له في تقليب شيء فسقط من يده فكسر غيره فلا يضمن الساقط؛ لأنه


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (قوله).

<<  <  ج: ص:  >  >>