(و) من اشترى شيئاً فاستحق من يده (رجع) المشتري (المستحق منه) ذلك الشيء (بالثمن) الذي خرج من يده (على بائعه، إلا أن يعلم صحة ملكه): أي ملك البائع لما استحق منه وأن مدعي الاستحقاق هو الظالم فلا رجوع له على البائع، وصارت المصيبة منه.
(باب)
في الشفعة وأحكامها
وهي شبيهة بالاستحقاق، فلذا أعقبه بها فقال: (الشفعة) بسكون الفاء، قال عياض: أصلها من الشفع ضد الوتر؛ لأن الشفيع يضم حصة شريكه إلى حصته فيصير حصتين فيكون شفعاً بعد أن كان وتراً، والشافع، هو الجاعل الوتر شفعاً (استحقاق شريك) من إضافة المصدر لفاعله، وخرج "بشريك" استحقاق غيره شيئاً كدين أو وديعة أو منفعة بوقف أو سلعة ونحو ذلك، فالشفعة هي استحقاق الشريك أخذ أو لم يأخذ. وتطلق على نفس الأخذ بالفعل، والأظهر ما ذكرنا (أخذ ما عاوض به شريكه من عقار بثمنه أو قيمته بصيغة)
ــ
قوله: [بالثمن الذي خرج من يده]: أي فإن كان عرضا معيناً رجع به أو قيمته إن فات. وأما غير المعين فليس فيه إلا الرجوع بالمثل. واستثني من الرجوع في عين شيئه النكاح والخلع وصلح العمد عن إقرار أو إنكار، والمقاطع به عن عبد والمدفوع عن مكاتب والمصالح به عن عمرى فمن أصدق امرأة عبداً واستحق من يدها رجعت في قيمة العبد لا في البضع، ومن خالع امرأة على عبد فاستحق من يده رجع عليها بقيمة العبد لا في العصمة، ومن صالح على دم عمد بعبد على إقرار أو إنكار فاستحق العبد رجع ولي الدم بقيمته، وإذا قاطع العبد سيده بأن أعتقه على عبد فاستحق العبد من يد السيد فإنه يرجع بقيمته لا في الحرية. هذا إذا قاطعه على عبد في غير ملكه، وأما مقاطعته على عبد في ملكه فاستحق فإن السيد لا يرجع بشيء والعتق ماض لا يرد؛ لأنه كمال انتزعه من عبده ثم أعتقه. وكذا المكاتب إذا قاطع سيده على عبد فاستحق العبد من يد السيد بقيمة العبد لا بالحرية.
ولا فرق بين كون العبد في ملك المكاتب أو في ملك غيره؛ لأن المكاتب أحرز نفسه وماله، وكذلك من أعمر داره لشخص مدة معلومة ثم إن رب الدار صالح المعمر على عبد دفعه رب الدار إليه في نظير منفعتها ثم استحق ذلك العبد من يد المعمر -بالفتح- فإنه يرجع بقيمة العبد على صاحب الدار ولا يرجع بالمنافع التي خرجت من يده، وهذه المسائل السبع تجري في الشفعة وفي الرد بالعيب كالاستحقاق فتكون الصور الجارية فيها إحدى وعشرين، قائمة من ضرب سبع في ثلاث وهي الاستحقاق والأخذ بالشفعة والرد بالعيب.
خاتمة: إن اشتهر عبد بحرية وصار له أملاك وحضرته الوفاة وأوصى بوصايا ثم نفذها الوصي فجاء سيده بعد ذلك واستحقه لم يضمن وصي صرف المال فيما أمر بصرفه فيه ولا حاج حج عنه من تركته كما أوصى، ويأخذ السيد ما كان باقياً من تركته لم يبع، وما بيع وهو قائم بيد المشتري لم يفت بالثمن الذي اشتراه به المشتري.
وكذلك من شهد بموته وعذرت بينته بأن رأته صريعاً في المعركة فظنت موته فتصرف ورثته ووصيه في تركته وتزوجت زوجته ثم قدم حيّاً فإنه يأخذ ما وجد من ماله، ويأخذ ما بيع بالثمن إن كان قائماً بيد المشتري لم يفت وأما إن لم يعرف العبد بالحرية ولم تعذر البينة في الثاني فالتصرف في أمواله كتصرف المشتري من الغاصب فيأخذ ربه ما وجده فات أو لم يفت وترد له زوجته ولو دخل بها غيره، والله أعلم.
[باب في الشفعة]
أي حقيقتها، وقوله: "وأحكامها": أي مسائلها التي تثبت فيها وما لا تثبت فيها.
قوله: [فلذا أعقبه بها]: أي جعلها عقبه وتالية له.
قوله: [أصلها من الشفع] إلخ: هذا هو المعنى اللغوي، واصطلاحاً ما قاله المصنف.
قوله: [والشافع]: أي المأخوذ من الشفعة لا من الشفاعة التي هي سؤال الخير للغير فليست مرادة هنا.
قوله: [شريك]: أي بجزء شائع لا بأذرع معينة فلا شفعة لأحدهما على الآخر لأنهما جاران، ولا بغير معينة عند مالك ورجحه ابن رشد ولأشهب فيها الشفعة. فإن قلت: كل من الجزء -كالثلث والأذرع غير المعينة- شائع، قلت: شيوعهما مختلف؛ إذ الجزء شائع في كل جزء من الكل ولو قل ولا كذلك الأذرع؛ لأن الأذرع إن كانت خمسة فإنما تكون شائعة في قدرها أي في كل خمسة من الأذرع لا في أقل منها. اهـ من حاشية الأصل، ومراده بالاستحقاق المعنى اللغوي وهو الطلب وليس المراد الاستحقاق المعهود الذي هو رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله أو حرية؛ لأنه لا يصح هنا.
قوله: [والأظهر ما ذكرنا]: أي لأن ماهية الاستحقاق إنما هي طلب الشريك أخذ مبيع شريكه وعدمه، والأخذ والترك عارضان