للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب: في جمل من مسائل شتى، وخاتمة حسنة)]

(شكر الله تعالى واجب شرعاً، وهو): أي الشكر في عرف الصوفية، وقيل عرف أهل الشرع ولا شك أنه بالمعنى الذي ذكره واجب شرعاً فيشهد إلى أن المراد عرف الشرع: (صرف المكلف كل نعمة لما خلقت له) اللام في "له" للثمرة الغير الباعثة كما في قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: ٥٦] وهذا تعريف للشكر التام، وأصل الشكر: صرف شيء ما. وإلا لما كان للمبالغة في قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: ١٣] معنى، وقد يقال المبالغة بحسب المداومة عليه بقدر الطاقة البشرية فلا يقال إنه متعذر لا قليل على أن المداومة الحقيقية لا تتعذر إلا بحسب عقول القاصرين المقصرين. ثم هذا شكر عامة أهل الله، ويقرب منه قول الجنيد لما سأله شيخه السري السقطي وهو ابن سبع سنين: يا غلام ما الشكر؟ فقال: أن لا يعصى الله بنعمه. فقال: يوشك أن يكون حظك من الله لسانك، قال الجنيد؛ فلا أزال أبكي على هذه الكلمة، قاله شيخنا الأمير. (ولو) كان ما خلقت له (مباحاً ضرورياً كالأكل والجماع - فليس فاعل المباح كافراً للنعمة) لأنه صرف فيما خلق له (فإن نوى خيراً) كإقامة البنية [١] والتقوي على الطاعة وكف الشهوة عما لا يرضي الله (فطاعة): أي فصار المباح طاعة يثاب عليه (بـ) سبب (النية) الحسنة.

(وحمده تعالى) في عرف الناس العام، إذ بتعريفه الآتي ليس خاصاً بالشرع ولا بالصوفية ولا بأهل الكلام وإن قيل بكل، وبهذا يعلم أن قول بعضهم: الحمد المطلوب الابتداء به في الحديث هو اللغوي لأن العرف أمر طارئ بعد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وشرف وكرم وعظم عدد ما في علم الله؛ إذ حيث كان المراد العرف العام فمن أين طروه؟ نعم قد ورد: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله»

ــ

في غنمك، وكانت ترعى له غنماً، وكانت تؤخر السراح والرواح، وكان يعاتبها في ذلك فيقول لها: أصبحت يا سخيلة أمسيت، فلما رأت سهره وقلقه قالت له في ذلك؟ فقال لها ويلك دعي أمراً ليس من شأنك، فأعادت عليه السؤال فذكر لها ما بدا له فقالت له: سبحان الله أتبع القضاء المبال، فقال لها: فرجتيها والله يا سخيلة أمسيت بعدها أم أصبحت، فخرج حين أصبح فقضى بذلك واستمر عليه الحكم في الإسلام ثم أول من قضى به في الإسلام علي بن أبي طالب فلا ينافي ما ورد: «أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث؟ فقال عليه الصلاة والسلام - من حيث يبول»

باب في جمل من مسائل شتى

هذا الباب مما زاده المصنف على خليل سلك به مسلك صاحب الرسالة وجماعة من المؤلفين في المذهب.

وقوله: [من مسائل شتى]: أي متفرقة لا تضبط في باب بعينه من الأبواب مع أنها من مهمات الدين.

قوله: [وخاتمة حسنة]: أي مشتملة على توحيد وتصوف فحسنت بذلك.

قوله: [واجب شرعاً]: أي بالشرع لا بالعقل لأن العقل لا مدخل له في إيجاب ولا غيره خلافاً للمعتزلة.

قوله: [وقيل عرف أهل الشرع]: إن قلت الصوفية أهل شرع وزيادة، فما معنى المقابلة؟ فالجواب أن الصوفية بحثهم على العمل الباطن وحسن السريرة وخلاص النية من رؤية الغير، فمن لم يكن كذلك فأعماله عندهم كالهباء لا يثبتونها، وأهل الشرع يعولون على ما ظهر من الأعمال الموافقة للشرع فما أنكره الشرع ظاهراً أنكروه وما مدحه مدحوه ويكلون السرائر لله تعالى.

قوله: [للثمرة الغير الباعثة]: أي للعلة الغائية الغير الحاملة الفاعل على فعله كانتفاع الناس بظل الأشجار بعد تمامه حيث لم يكن الحامل للغارس إلا الثمر، وفي الحقيقة المستحيل على الله الغرض الباعث الذي يتكمل به وإلا فأفعاله سبحانه وتعالى لا بد لها من حكمة ومصلحة سبق علمه بها أزلاً لكن تلك المصالح لخلقه لا له.

قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: ٥٦]: أي إلا ليؤول أمرهم لعبادتي كما سبقت به حكمتي فتعود مصالح عبادتهم عليهم.

قوله: [وهذا تعريف للشكر التام]: أي المصطلح عليه في قولهم صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.

قوله: [ولو كان ما خلقت له]: المناسب ولو كان الصرف فيما خلقت له.

قوله: [كإقامة البينة] إلخ: كل من إقامة البينة والتقوي على الطاعة وكف الشهوة يصلح في الأكل والجماع.

قوله: [أي فصار المباح طاعة]: أي وهذه المقاصد لا تفارق المعصومين بخلاف غيرهم.

قوله: [ليس خاصاً بالشرع]: أي لأن الحمد الشرعي هو ذكر الله بالكمالات.

وقوله: [ولا بالصوفية]: أي لأن الحمد عندهم هو شهود كمالات الله في كل شيء.

قوله: [ولا بأهل الكلام]: أي لأن الحمد عندهم اعتقاد أن الله مستحق للثناء.

قوله: [وإن قيل بكل]: أي قولاً مقبولاً ولكنه ليس مراداً للمصنف.

قوله: [لأن العرف] إلخ: تعليل لما قبله وهو من كلام بعضهم.

وقوله: [إذ حيث كان] إلخ: علة لمحذوف سقط من قلم الشارح تقديره غير ظاهر إذ حيث إلخ.

قوله: [فمن أين طروه]: أي بل هو موجود في كل قرن.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (البينة).

<<  <  ج: ص:  >  >>