(ورد) الثمن (إلى) القيمة (الوسط) بين الناس (كأن نكلا معاً) ونكولهما كحلفهما وقضي للحالف على الناكل. قال ابن رشد: وإن أتى بما لا يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه بنكوله من دعواه، وقال غيره: أعدل الأقوال: سقوط الشفعة كنسيان الثمن.
ولما كانت القسمة من تعلقات الشركة كالشفعة ناسب أن يذكرها عقبها فقال:
(باب)
في القسمة وأقسامها وأحكامها
(القسمة): أي حقيقتها عرفاً: (تعيين): أي تمييز (نصيب كل شريك) من الشركاء - كثروا أو قلوا (في مشاع) عقار أو غيره، (ولو) كان التعيين المذكور (باختصاص تصرف) فيما عين له مع بقاء الشركة في الذات؛ كأن يختص كل بدابة من الدواب المشتركة أو بجهة من الدار مع كونها بينهم، فإنه من القسمة الشرعية ولذا قال:
(وهي) أي القسمة أقسام (ثلاثة):
الأول: (مهايأة): أي قسمة مهايأة؛ لأن كل واحد هيأ لصاحبه ما ينتفع به. ويقال: تهايؤ بياء تحتية قبل الهمزة، وبه عبر المصنف. ويقال: أيضاً تهانؤ بنون قبل الهمزة ويحتمله كلامه من المهانأة؛ لأن كل واحد هنأ صاحبه بما دفعه له للانتفاع به، وهذا القسم هو ما بعد المبالغة كما بينه بقوله: (وهي) أي قسمة المهايأة (اختصاص كل شريك عن شريكه) في شيء متحد - كعبد أو دار - أو متعدد - كعبدين أو دارين - (بمنفعة) شيء (متحد) كعبد بينهما يستخدمه أحدهما شهراً والثاني شهراً مثلاً، أو دار يسكنها أحدهما مدة والثاني مثلها (أو متعدد) كدارين أو عبدين يأخذ واحد منهما داراً أو عبداً والثاني يأخذ الآخر، أو دار وعبد بينهما يأخذ أحدهما الدار يسكنها، ويأخذ الثاني العبد يستخدمه (في زمن) معلوم. فتعيين الزمن شرط: إذ به يعرف قدر الانتفاع، وإلا فسدت اتفاقاً في المتحد وعلى طريقة ابن عرفة في المتعدد، ويظهر من كلام بعضهم ترجيحها. وطريقة ابن الحاجب وابن عبد السلام: أنه لا يشترط تعيينه في المتعدد
ــ
منقوضاً. قال الخرشي: وينبغي أن يكون الكذب في المشترى -بالفتح- أو الكسر أو انفراده كالكذب في الثمن.
ومنها: أن المشتري اشترى الدار كلها فهدم وبنى، ثم استحق شخص نصفها مثلاً وأخذ النصف الآخر بالشفعة فإنه يدفع للمشتري قيمة بنائه قائماً.
قوله: [ورد الثمن إلى القيمة الوسط]: أي وهي قيمة الشقص يوم البيع.
خاتمة: إن استحق الثمن المعين من البائع أو رد بعيب بعد الأخذ بالشفعة رجع البائع على المشتري بقيمة شقصه لا بقيمة الثمن المستحق أو المردود بالعيب، ولو كان الثمن المعين مثلياً، إلا النقد المسكوك فمثله. وإن وقع البيع بغير معين رجع بمثله ولو مقوماً لا بقيمة الشقص وعلى كل لا ينتقض ما بين الشفيع والمشتري. وإن وقع الاستحقاق أو الرد بالعيب في الثمن المعين قبل الأخذ بالشفعة بطلت لفسخ البيع.
قوله: [ناسب أن يذكرها]: أي القسمة.
وقوله: [عقبها]: أي الشفعة، ومعنى هذا الدخول أنه لما كان كل من القسمة والشفعة تابعاً للشركة ذكرهما متواليين بعدها.
[باب في القسمة]
باب: أي حقيقتها، وبينها بقوله: القسمة تعيين نصيب كل شريك إلخ.
وقوله: [وأقسامها]: أي الثلاثة، وبينها بقوله: "وهي ثلاثة" إلخ، والمراد بأحكامها مسائلها.
قوله: [أي حقيقتها عرفاً]: أي وأما لغة فقال الجوهري: قاسمه المال وتقاسماه واقتسماه بينهما بمعنى واحد، والاسم القسمة مؤنثة، وإنما ذكرت في قوله تعالى: {فارزقوهم منه} [النساء: ٨] بعد قوله: {وإذا حضر القسمة} [النساء: ٨]؛ لأنها في الميراث والمال، فالتذكير باعتبار متعلقها أو الضمير يرجع للقسمة لا بالمعنى المتقدم، بل بمعنى المقسوم.
وقال في المغرب: القسم -بالفتح- قسم القسام المال بين الشركاء فرقه بينهم، وعين أنصباءهم، ومنه القسم بين النساء والقسم -بالكسر-: النصيب.
قوله: [في مشاع]: متعلق بتعيين والمعنى: في مشترك مشاع أي: لكل واحد جزء شائع في جميع أجزاء الشيء المملوك فيصير ذلك الجزء معيناً، إما في جهة إن كان عقاراً، أو في ذات إن كان غيره، أو في أيام إن كانت القسمة مهايأة.
قوله: [ولذا قال]: أي ولأجل أن التعريف شامل للتعيين باختصاص التصرف مع بقاء الذات قسمها ثلاثة أقسام بقوله وهي إلخ.
قوله: [مهايأة]: أي وهي الإعداد بكسر الهمزة والتجهيز، ويقال هيأ الشيء لصاحبه أعده وجهزه له.
قوله: [وبه عبر المصنف]: أي خليل.
قوله: [بنون]: أي مضمومة، ويجوز قلب الهمزة بعدها ياء، وحينئذ تقلب ضمة النون كسرة، ويقال أيضاً بالباء؛ لأن كل واحد وهب لصاحبه الاستمتاع بحقه في ذلك الشيء مدة معلومة، ويجوز قلب الهمزة ياء بعد الباء الموحدة كما تقلب بعد النون، ويقال فيها ما قيل في النون. فتحصل أن جملة الصور ثمان: مهايأة بالياء التحتية ومهانأة بالنون، ومهابأة بالباء الموحدة، وتهايؤ بالياء مع الهمزة، وتهانؤ بالنون المضمومة مع الهمزة أو المكسورة مع الياء، وتهايؤ بالباء الموحدة المضمومة مع الهمزة أو المكسورة مع الياء فتأمل.
قوله: [ويحتمله كلامه]: أي كلام خليل؛ لأن الرسم واحد.