للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما فرغ من الكلام على النكاح شرع يتكلم على الطلاق، وبدأ بالخلع لتقدم ذكره في النشوز ولأن له أحكاماً تخصه وهي قليلة بالنسبة لأحكام غيره من الطلاق، فقدمها ليتفرغ منها لذكر أحكام غيره فقال:

فصل في الكلام على الخلع وما يتعلق به

ومعناه لغة الإزالة والإبانة [١] من خلع الرجل ثوبه أزاله وأبانه، والزوجان كل منهما لباس لصاحبه قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: ١٨٧] فإذا فارقها كأنه نزعها منه، ولما كان في نظير عوض ناسبه أن يسمى بهذا الاسم أكثر من غيره.

وحكمه الأصلي الجواز كما أفاده بقوله: (يجوز الخلع وهو الطلاق بعوض): أي في نظير عوض قل أو كثر، ولو زاد على الصداق بأضعاف إن كان العوض منها، بل (وإن) كان (من غيرها) من ولي أو غيره.

(أو بلفظه) أي الخلع، و"أو" للتنويع: أي أنه نوعان: الأول وهو الغالب ما كان في نظير عوض.

والثاني: ما وقع بلفظ الخلع ولو لم يكن في نظير شيء، كأن يقول لها: خالعتك، أو أنت مخالعة.

(وهو): أي الخلع بنوعيه طلاق (بائن لا رجعة فيه)، بل لا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه المتقدمة، (وإن قال) الزوج حين دفع العوض أو حين تلفظ بالخلع طلقتك طلقة (رجعية) فلا يفيده ويقع بائناً، ومن لوازم البينونة سقوط النفقة والإرث.

(وشرط باذله): أي العوض من زوجة أو غيرها (الرشد) فلا يصح من سفيه أو صغير أو رق.

(وإلا) بأن بذله غير رشيد (رد) الزوج (المال) المبذول، (وبانت) منه (ما لم يعلق بكأن تم لي) هذا المال فأنت طالق، (أو) إن (صحت براءتك فطالق)، فإذا رد الولي أو الحاكم المال من الزوج لم يقع طلاق بخلاف ما إذا قاله لرشيدة أو رشيد

ــ

الشراح اعتماده.

قوله: [وأما لو اختلفا في قدره] إلخ: أي بأن قال أحدهما: طلقت بعشرة، وقال الآخر: بثمانية، وقوله: [أو صفته)، أي بأن قال أحدهما: بمقطع هندي، وقال الآخر: ببلدي، وقوله: [أو نوعه] أي بأن قال أحدهما: بفرس والآخر: ببعير فالحكم كما قال الشارح.

فصل في الكلام على الخلع

وأركانه خمسة: القابل، والموجب، والعوض، والمعوض، والصيغة؛ فالقابل: الملتزم للعوض. والموجب: الزوج أو وليه، والعوض: الشيء المخالع به، والمعوض: بضع الزوجة، والصيغة: كاختلعت كذا في الحاشية، فالمراد من الخلع حقيقته المتضمنة لتلك الأركان.

قوله: [وما يتعلق به]: أي وهي فروعه الآتية.

قوله: [قال تعالى: {هن لباس لكم} [البقرة: ١٨٧]]: تسمية كل لباساً لصاحبه فيه استعارة مصرحة، بأن شبه الساتر المعنوي بالساتر الحسي، واستعير اسم المشبه به وهو اللباس، للمشبه وهو أحد الزوجين على طريق الاستعارة المصرحة، والجامع بينهما أن كلاً مانع للقبح أو مجاز مرسل من إطلاق الملزوم وهو اللباس، وإرادة اللازم وهو الستر.

قوله: [يجوز الخلع]: أي جوازاً مستوي الطرفين على المشهور، وقيل يكره وهو قول ابن القصار، والخلاف فيه من حيث المعاوضة على العصمة، وأما من حيث كونه طلاقاً فهو مكروه بالنظر لأصله، أو خلاف الأولى لقوله - عليه الصلاة والسلام -: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، كما يأتي.

قوله: [وهو الطلاق بعوض]: يفهم من قوله: "بعوض" أنه معاوضة فلا يحتاج لحوز كالعطايا فلو أحال عليها الزوج فماتت أو فلست أخذ من تركتها وأتبعت به.

قوله: [بل وإن كان من غيرها]: ظاهره جوازه بعوض من غيرها ولو قصد ذلك الغير إسقاط نفقتها عن الزوج في العدة وهو المشهور، ومذهب المدونة وحينئذ فلا يرد العوض ويقع الطلاق بائناً، وتسقط نفقة العدة، وقيل يعامل بنقيض مقصوده فيرد العوض ويقع الطلاق رجعياً ولا تسقط نفقتها.

تنبيه: قال في المدونة: من قال لرجل: طلق امرأتك ولك ألف درهم ففعل لزم الألف ذلك الرجل.

قوله: [بشروطه المتقدمة]: أي وأركانه والمراد شروط النكاح وأركانه المتقدمة في أول الباب.

قوله: [وشرط باذله]: أي شرط صحته بدليل التفريع.

قوله: [فلا يصح من سفيه] إلخ: المناسب فلا يلزم، لأن الولي ينظر في فعل محجوره فإن وجد فيه المصلحة أمضاه فمقتضى نظره فيه أنه صحيح غير لازم، كما يؤخذ من المجموع ومن حاشية الأصل والخرشي، قال في المجموع وإن خالع محجوراً عليها سفيهة أو غيرها نظر الولي اهـ. واختلف في لزوم العوض للسفيهة المهملة والمعتمد أنه لا يلزمها، ولو أقامت أعواماً عند زوجها. والحاصل أن الصغيرة والسفيهة وذات الرق إن أذن لهن الولي والسيد لزم العوض ولا يرده الزوج إذا قبضه، وأما إن فعلن ذلك بدون إذن فللولي والسيد رده، ولا تتبع إن عتقت وبانت من زوجها، وهذا في ذات الرق التي ينتزع مالها أما غيرها كالمدبرة وأم الولد في مرض السيد إذا خالعا وقف المال، فإن مات السيد مضى الخلع، وإن صح فله إبطاله ورد المال. وتبين من زوجها وأما المكاتبة إذا خالعت بالكثير فيرد إن اطلع عليه قبل أدائها، ولا يجوز له الإذن في ذلك لأنه يؤدي


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (والإعانة).

<<  <  ج: ص:  >  >>