للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرج النكاح والإجارة. وهذا تعريف للبيع بالمعنى الأعم؛ أي الشامل للسلم والصرف والمراطلة وهبة الثواب.

(وركنه): أي أركانه التي تتوقف عليها حقيقته ثلاثة؛ هي في الحقيقة خمسة: (عاقد): من بائع ومشتر. (ومعقود عليه): من ثمن ومثمن. والثالث: صيغة أو ما يقوم مقامها مما يدل على الرضا؛ وإليه أشار بقوله: (وما دل على الرضا): من قول أو إشارة أو كتابة من الجانبين أو أحدهما، بل (وإن) كان ما يدل عليه (معاطاة) من الجانبين، ولو في غير المحقرات كالثياب والرقيق؛ بأن يدفع المشتري الثمن للبائع ويأخذ المثمن أو يدفع هله البائع وعكسه. (كاشتريتها): أي كما ينعقد بقول المشتري ابتداء للبائع: اشتريتها (منك بكذا) بالفعل الماضي (أو) يقول البائع للمشتري: (بعتكها) بكذا بالماضي أيضاً (ويرضى الآخر): أي يأتي بما يدل على الرضا من قول أو غيره، فيكون التعبير بالماضي إنشاء للبيع لا من قبيل الخبر. (وكأبيعها) بكذا من البائع (أو) قول المشتري للبائع: (أشتريها) منك بكذا بالمضارع فيهما فرضي الآخر. (أو) قال المشتري: (بعني) بفعل الأمر (أو) قال البائع للمشتري: (اشتر مني) هذه السلعة بكذا (فرضي) الآخر فينعقد البيع.

(فإن قال) المبتدي بالمضارع أو بالأمر منهما: أنا (لم أرده): أي لم أرد بذلك إنشاء البيع، وإنما قصدي الإخبار أو الهزل بالمضارع أو الأمر (صدق بيمين فيهما): أي في المضارع والأمر. فإن لم يحلف لزم البيع؛ هذا قول ابن القاسم في المدونة قياساً لهما على مسألة التسوق. لكن الشيخ رحمه الله جزم بأن الأمر كالماضي في اللزوم بلا يمين، وإنما اليمين في المضارع فقط؛ لأن الأمر عرفاً يدل على البيع بأقوى من دلالة المضارع - خلافاً لابن القاسم.

ــ

قوله: [خرج النكاح والإجارة]: أي بقوله على غير منافع مع دخولهما أولاً في قوله: عقد معاوضة. ومراده بالإجارة: ما يشمل الكراء. وبالنكاح: ما يشمل نكاح التفويض فإن فيه معاوضة ولو بعد الدخول.

قوله: [بالمعنى الأعم]: صفة للبيع.

قوله: [أي الشامل للسلم] إلخ: أي ويشمل أيضاً التولية والشركة والإقالة والأخذ بالشفعة.

قوله: [والصرف]: هو دفع أحد النقدين من الذهب أو الفضة في مقابلة الآخر.

وقوله: [والمراطلة]: هي بيع ذهب بذهب بالميزان، بأن يضع ذهب هذا في كفة والآخر في كفة حتى يعتدلا، فيأخذ كل ذهب صاحبه. ومثل الذهب الفضة. وقوله: [وهبة الثواب]: هي أن يعطيك شيئاً في نظير أن تعوضه، فمعنى هبة الثواب: الهبة في نظير عوض دنيوي، فإن لم تكن في نظير عوض دنيوي قيل لها صدقة وهبة لغير ثواب.

تنبيه: اقتصر على تعريف البيع بالمعنى الأعم ولم يذكره بالمعنى الأخص لأن الأحكام الآتية مدونة لهذا المعنى الأعم. فإذا أردت تعريفه بالمعنى الأخص زدت على ما تقدم: (ذو مكايسة) أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة معين غير العين فيه. فيخرج بقولنا: [ذو مكايسة]: هبة الثواب والتولية والشركة والإقالة والأخذ بالشفعة. لأن معنى المكايسة: المغالبة؛ وهذه لا مغالبة فيها. وبقولنا: أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة: الصرف والمراطلة. وبقولنا: معين غير العين فيه: السلم؛ لأن غير العين في السلم هو المسلم فيه؛ ومن شرطه كونه ديناً في الذمة. والمراد بالمعين: ما ليس في الذمة؛ فيشمل الغائب المبيع بالصفة ونحوه لا الحاضر فقط، حتى يرد أن البيع قد يكون على الغائب بشروطه الآتية كما يؤخذ من الأصل. والمراد بالعين: الثمن وإن لم يكن عيناً.

قوله: [أي أركانه]: فسر المفرد بالجمع لأنه مفرد مضاف والمفرد المضاف يصدق بالواحد والمتعدد فبين أن التعدد هو المراد.

قوله: [التي تتوقف عليها حقيقته]: أي لا توجد حقيقته إلا بها صحيحة أو فاسدة؛ ولذلك احتيج في الصحة للشروط الآتية. إن قلت: إن البائع بوصف كونه بائعاً والمشتري بوصف كونه مشترياً والثمن بوصف كونه ثمناً والمثمن بوصف كونه مثمناً إنما يكون بعد تحقق البيع؛ كيف وقد جعلت من أركانه والركن يوجد قبل تحقق الماهية؟ وأجيب: بأن عدها أركاناً باعتبار ذاتها لا باعتبار وصفها - فتأمل.

قوله: [وما دل على الرضا]: أي عرفاً سواء دل عليه لغة أيضاً أو لا؛ فالأول: كبعت واشتريت وغيره من الأقوال. والثاني: كالإشارة والمعاطاة. قوله: [أو أحدهما]: راجع للقول والإشارة والكتابة. قوله: [معاطاة]: أي وفاقاً لأحمد، وخلافاً للشافعي القائل: لا بد من القول من الجانبين مطلقاً كان المبيع من المحقرات أو لا.

وقوله: [ولو في غير المحقرات]: رد على أبي حنيفة في اشتراطه القول في غير المحقرات. محل إجزاء المعاطاة: حيث أفادت في العرف، ولا تلزم إلا بالدفع من الجانبين فيجوز التبديل في نحو الخبز بعد أخذه وقبل دفع الدراهم لا بعده للربوية. والشك في التماثل كتحقق التفاضل. ولا بد من معرفة الثمن إلا الاستئمان. كذا يؤخذ من الـ (مج)

قوله: [وعكسه]: لا حاجة له. قوله: [كاشتريتها]: أي ونحوه كأخذتها أو رضيت بها بكذا. قوله: [بالفعل الماضي]: أي وينعقد البيع به اتفاقاً ولا يقبل دعوى من أتى بصيغة الماضي أنه لم يرد البيع أو الشراء ولو حلف.

قوله: [بعني بفعل الأمر]: أي فينعقد بها البيع عندنا خلافاً للشافعية. ووجه ذلك: أن العرف دل على رضاه به وإن كان ليس صريحاً في إيجاب البيع لاحتمال أمره به.

<<  <  ج: ص:  >  >>