للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(كالبيض) وجاز التحري فيما يوزن من الربويات لا فيما يكال. وحاصل النقل عن ابن القاسم: أن كل ما يباع وزناً ولا يباع كيلاً مما هو ربوي تجوز فيه المبادلة والقسمة على التحري، وهو في المدونة في السلم الثاني منها.

وكل ما يباع كيلاً لا وزناً مما هو ربوي فلا تجوز فيه المبادلة ولا القسمة بالتحري بلا خلاف، وأما غير الربوي فاختلف في جواز القسمة ما فيه، والمبادلة على التحري على ثلاثة أقوال: الجواز فيما يباع وزناً لا كيلاً. والثاني: الجواز مطلقاً، والثالث: المنع مطلقاً.

(فإن تعذر) التحري فيما يجوز فيه التحري لكثرته جداً (منع) فلا تجوز المبادلة والقسمة فيه. وظاهر قولنا: "وجاز التحري فيما يوزن" ولو لم يتعسر لوزان [١] وهو مذهب المدونة كما تقدم. وقيده الشيخ تبعاً لابن الحاجب بما إذا تعسر الوزن وقول الأكثر.

(وفسد) العقد (المنهي) عنه من بيع أو غيره. والصحة في العقود ترتب آثارها عليها، والفساد عدمه. وفي العبادة: موافقة الفعل ذي الوجهين الشرع فما نهى عنه ففاسد.

(إلا لدليل) يدل على صحته: كالنجش وبيع المصراة وتلقي الركبان. وما فسد تعين رد ما لم يفت كما يأتي.

ثم أخذ في بيان ما نهى عنه بقوله: (كالغش) قال صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»، وقال عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة»، (وهو): أي الغش قسمان: الأول: (إظهار جودة ما ليس بجيد): كنفخ اللحم بعد السلخ ودق الثياب. والثاني أشار له بقوله: (أو خلط شيء بغيره): كخلط اللبن بالماء والسمن بدهن (أو برديء) من جنسه كقمح جيد برديء.

(وكحيوان): أي بيعه (مطلقاً): ما فيه منفعة كثيرة ويراد للقنية، أو ما لا تطول حياته، أو ما لا منفعة فيه إلا اللحم، أو قلت منفعته (بلحم جنسه): كبيع شاة بعشرة أرطال لحم من ضأن أو بقر أو إبل لما تقدم أن ذوات الأربع جنس واحد (إن لم يطبخ) اللحم.

ــ

فوزناً فما ورد عنه أنه يكال - كالقمح - فلا تصح المبادلة فيه إلا بالكيل، وما ورد أنه يوزن كالنقد فلا تجوز المبادلة فيه إلا بالوزن، وهكذا.

وقوله: [كالبيض]: أي فيباع بعضه ببعض بالتحري ولو اقتضى التحري بيع بيضة ببيضتين أو أكثر.

قوله: [ولا القسمة بالتحري]: الفرق بين ما يوزن فيجوز فيه التحري وما يكال لا يجوز فيه أن آلة الوزن قد يتعذر وجودها، بخلاف آلة الكيل فإنه يتيسر بأي وعاء فلذلك منع التحري فيه.

قوله: [الجواز فيما يباع وزناً لا كيلاً]: أي وهو لابن القاسم، وقوله: "والثاني: الجواز مطلقاً"، وهو لأشهب، وقوله: "والثالث: المنع مطلقاً": أي وهو الذي في كتاب السلم الثالث من المدونة.

قوله: [وفسد المنهي عنه]: أي عن تعاطيه وهذه قضية كلية شاملة للعبادات والمعاملات وهي العقود سواء كان عقد نكاح أو بيع إذا علمت ذلك، فالأولى للشارح حذف قوله العقد.

قوله: [ترتب آثارها عليها]: أي كحل التلذذ بعقد النكاح والتصرف بالمبيع بعد عقد البيع.

وقوله: [والفساد عدمه]: أي عدم ترتب آثارها عليها كعدم حل النكاح بالعقد وعدم جواز التصرف في المبيع بسبب عقده. قوله: [ذي الوجهين]: أي صاحب الوجه الموافق للشرع والمخالف له. فإن قلت: إن كل فعل له وجهان، فلا معنى لقولهم ذي الوجهين؟ وأجيب: بأن هناك أموراً ما لها إلا وجه واحد كاعتقاد وحدانية الله فليس لها إلا وجه واحد وهو موافقة الشرع، وكالأمور المجمع على حرمتها فليس لها إلا وجه واحد وهو مخالفة الشرع. واعلم أن لهم قاعدة أخرى وهي: إذا كان النهي ذاتياً للشيء؛ كالدم والخنزير. أو وصفاً له كالخمر للإسكار، أو خارجاً لازماً له كصوم يوم العيد - لأن صومه يستلزم الإعراض عن ضيافة الله تعالى - فإنه يكون مقتضياً للفساد. ويؤخذ من هذه القاعدة فساد الصلاة وقت طلوع شمس أو غروبها ولا دلالة لقول خليل. وقطع محرم بوقت نهي على الصحة إذا كان النهي لخارج عنه غير لازم كالصلاة في الأرض المغصوبة والتنفل وقت خطبة الجمعة ولبس الثوب الحرير في الصلاة، فلا يقتضي الفساد. ألا ترى أن إشغال بقعة الغير بلا إذنه أو إتلاف ماله أو الإعراض عن سماع الخطبة أو لبس الحرير حرام كل منها؟ وإن لم يكن في صلاة.

قوله: [إلا لدليل]: أي شرعي.

قوله: [يدل على صحته]: أي صحة المنهي عنه وسواء كان الدليل متصلاً بالنهي أو منفصلاً عنه فالمتصل كأن يكون النهي والصحة في حيز واحد، والمنفصل يكون النهي في حيز والصحة في حيز آخر.

قوله: [كالغش]: مثال للمنهي عنه ولم يدل دليل على صحته، ويكون الدليل مخصصاً لتلك القاعدة.

قوله: [كنفخ اللحم بعد السلخ]: أي وأما قبله فلا نهي فيه لأنه يحتاج إليه وفيه إصلاح ومنفعة. قوله. [كخلط اللبن بالماء]. محل النهي ما لم يخلط بالماء لاستخراج زبده وكخلط العصير بالماء لتعجيل تخليله.

قوله: [وكحيوان]، أي حي مباح الأكل وإنما قيدنا بذلك لأن بيع الخيل ونحوها باللحم المباح جائز لعدم المزابنة وسواء كان البيع نقداً أو لأجل.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (الوزن).

<<  <  ج: ص:  >  >>