للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحديث: «اللهم كلاءة ككلاءة الوليد»، وفي القرآن: {قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن} [الأنبياء: ٤٢]، وهو (دين بمثله) سمي بذلك لأن كلاً منهما يحفظ صاحبه ويراقبه.

(وهو أقسام) ثلاثة: الأول (فسخ ما في الذمة في مؤخر) من غير جنسه أو في أكثر مما لو كان عليه عشرة دراهم فسختها في دينار أو ثوب متأخر قبضه أو في أحد عشر درهماً يتأخر قبضها، وأما تأخيرها أو مع حطيطة بعضها فجائز هذا إذا كان المفسوخ فيه في الذمة بل (ولو) كان (معيناً) عقاراً أو غيره (يتأخر قبضه كغائب) عن مجلس الفسخ، لأنه لا يدخل في ضمانه إلا بالقبض مع بقاء الصفة المعينة حين الفسخ كأمة [١].

(و) كأمة (مواضعة) فسخها بائعها المدين للمشتري قبل رؤيتها الدم في دين عليه له. أو أن من عنده أمة شأنها أن تتواضع لا يصح دفعها في دين عليه، لأنها لا تدخل في ضمان مشتريها إلا برؤية الدم.

(أو) كان المفسوخ فيه (منافع) شيء (معين) كأن يفسخ ما عليه من الدين في ركوب دابة أو خدمة عبد أو سكنى دار معينة، وهو مذهب ابن القاسم. وقال أشهب بالجواز، وأما غير المعينة فلا يجوز باتفاقهما فعلم أنه لا يجوز لمن له دين على ناسخ أن يقول له: انسخ لي هذا الكتاب بما لي عليك من الدين، وأما لو نسخ لك الكتاب أو خدمك بأجر معلوم بغير شرط وبعد الفراغ قاصصته بما عليه، فجائز.

(و) الثاني: (بيعه) أي الدين (بدين) لغير من هو عليه، (كبيع ما) أي دين (على غريمك بدين في ذمة) رجل (ثالث) وأما بيعه بحال أو بمعين يتأخر قبضه أو بمنافع معين فلا يمنع.

(و) الثالث: (ابتداؤه) أي الدين (به): أي بالدين (كتأخير رأس مال السلم) أكثر من ثلاثة أيام. ومعناه: أن يتعاقدا على أن يسلمه ديناراً في شيء مثلاً [٢] على أنه لا يأتيه برأس السلم إلا بعد ثلاثة أيام أو أكثر؛ فإنه ممنوع لما فيه من ابتداء دين بدين. إذ كل منهما أشغل ذمة صاحبه بدين له عليه، وسيأتي تفصيل المسألة في باب السلم.

ولما بين منع الدين بالدين بأقسامه الثلاثة،

ــ

لأنه يلزم من الكالئ المكلوء وعكسه.

قوله: [وفي الحديث] إلخ استدلال على أن الكلاءة معناها الحفظ، ومعنى الحديث اللهم إنا نسألك حفظاً منك لأنفسنا كحفظ والدي المولود للمولود فوليد بمعنى مولود. قوله: [وهو أقسام ثلاثة]: أي وهي فسخ الدين في الدين وبيع الدين بالدين وابتداء الدين بالدين، وبدأ المصنف بفسخ الدين لأنه أشدها لكونه ربا الجاهلية.

قوله: [وأما تأخيرها]: أي من غير زيادة وقوله أو مع حطيطة بعضها أي بأن يحط عنه البعض ويؤخر بالباقي فإنه جائز ولو كان طعاماً من بيع أو كان نقداً من بيع أو من قرض خلافاً ل (عب) وليس هذا من فسخ الدين في الدين بل هو سلف أو مع حطيطة ولا يدخل في قول المصنف فسخ ما في الذمة لأن حقيقة الفسخ الانتقال عما في الذمة إلى غيره كما قاله الأجهوري، ثم إن قول المصنف فسخ ما في الذمة أي ولو اتهاماً فدخل فيه ما إذا أخذ منه في الدين شيئاً ثم رده إليه بشيء مؤخر من غير جنس الدين أو من جنسه وهو أكثر لأن ما خرج من اليد وعاد إليها يعد لغواً، ودخل أيضاً ما لو قضاك دينك ثم رددته إليه سلماً وهاتان الصورتان تقعان بمصر للتحيل على التأخير بزيادة.

قوله: [بل ولو كان معيناً]: رد ب "لو" على أشهب وسينبه عليه الشارح، ومثل الفسخ في منافع الذات المعينة في عدم جواز الفسخ في ثمار يتأخر جذها أو سلعة فيها خيار أو رقيق فيه عهدة ثلاث أو ما فيه حق توفية بكيل أو وزن أو عدد.

قوله: [وقال أشهب بالجواز]: أي وصحح وقد كان الأجهوري يعمل به فكانت ل حانوت ساكن فيها مجلد الكتب فكان إذا ترتب له أجرة في ذمته يستأجره بها على تجليد كتبه وكان يقول هذا على قول أشهب وصححه المتأخرون وأفتى به ابن رشد

قوله: [وبعد الفراغ قاصصته بما عليه فجائز] أي لأنه ليس بفسخ ما في الذمة في مؤخر بل هو مقاصصة شرعية. قوله: [في ذمة رجل ثالث]: أي فلا يتصور بيع الدين بالدين لأقل من ثلاثة بل في ثلاثة أو أربعة لأنه لا بد فيه من تقدم عمارة ذمة أو ذمتين فالأول يتصور في ثلاثة كمن له دين على شخص فيبيعه من ثالث لأجل والثاني في أربعة ومثاله بكر له دين على زيد وخالد له دين على عمرو فيبيع خالد دينه الذي على عمرو بدين بكر الذي على زيد وهذه ممتنعة ولو كان كل من الدينين حالاً لعدم تأتي الحوالة هنا فتأمل.

قوله: [أو بمعين يتأخر قبضه]: وسواء كان ذلك المعين عقاراً أو غيره فإذا كان لزيد دين على عمرو فإنه يجوز له بيعه لبكر بمعين يتأخر قبضه أو بمنافع ذات المعين؛ وإذا علمت أن الدين يجوز بيعه بما ذكر ولا يجوز فسخه تعلم أن هذا القسم أوسع مما قبله. إن قلت الدين لا يجوز بيعه إلا إذا كان على حاضر وكان الشراء بالنقد والمعين الذي يتأخر قبضه ومنافع الذات المعينة ليست نقداً. أجيب بأن المراد بالنقد ما ليس مضموناً في الذمة ولا شك أن المعين ومنافعه ليست مضمونة في الذمة لأن الذمة لا تقبل المعينات فهي نقد بهذا المعنى وليس المراد بالنقد المقبوض بالفعل فقط.

قوله: [والثالث ابتداؤه]: أي وهو أخف من بيع الدين لجواز التأخير فيه ثلاثة أيام مع أن هذا لا يجوز في بيع الدين. قوله: [إلا بعد ثلاثة أيام أو أكثر]: البعدية ظرف متسع فلا حاجة لقوله أو أكثر.

قوله: [ولما بين منع الدين بالدين]: أي الذي


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] ليست في ط المعارف.
[٢] ليست في ط المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>