عطف على "بإحياء" أي: ما سلم عن الاختصاص بإقطاع الإمام تلك الأرض لأحد أو لجماعة من الناس من غير معمور العنوة، بدليل ما يأتي. فإذا أقطع الإمام أرضاً لأحد ملكها - أي كانت ملكاً له وإن لم يعمرها بشيء مما يأتي - فله بيعها وهبتها وتورث عنه، وليس هو من الإحياء بل هو تمليك مجرد. وهل الإرث يحتاج لحيازة أو لا؟ ورجح.
ولو اقتطعه الإمام لأحد على أن عليه كذا أو كل عام كذا، عمل به، وكان المأخوذ في بيت المال، لا يختص به الإمام لعدم ملكه لما اقتطعه، وإن ملكه المقطوع له باقتطاعه. (ولا يقطع) الإمام (معمور) أرض (العنوة) وأرض العنوة كمصر والشام والعراق - أي: الصالحة لزرع الحب ملكاً لأنها وقف كما تقدم، بل يقطعها إمتاعاً وانتفاعاً. وأما ما لا يصلح لزرع الحب وإن صلح لغرس الشجر وليس من العقار فإنه من الموات، يقطعه ملكاً وانتفاعاً.
وأما أرض الصلح فلا يقطعها الإمام لأحد مطلقاً لأنها مملوكة لأربابها. (أو بحماه): أي وما سلم عن الاختصاص بحمى الإمام له (محتاجاً) أي أرضاً محتاجاً (إليه) لا إن لم يحتج إليه؛ فلا يجوز له الحمى (قل) المحمي لا إن كثر. والقليل: ما لا يضيق فيه على الناس (من بلد عفا): أي خلا عن البناء والغرس. لا لنفسه؛ إذ لا يجوز أن يحمي شيئاً لنفسه، وإن احتاج، بل يحمي ما قل من بلد عفا. (لكغزو): أي لدواب الغزاة والصدقة، وضعفة المسلمين. ومثل الإمام في الحمى نائبه. وإن لم يأذن له الإمام بخلاف الإقطاع فليس لنائب السلطان إقطاع إلا بإذن. والفرق: أن الإقطاع يحصل به التمليك فلا بد فيه من الإذن بخلاف الحمى - بالقصر ليس إلا - وقيل: يجوز مده وهو يائي اللام من حميت. وتثنيته حميان. وقد علمت أن الاختصاص أنواع: الأول: ما كان بإحياء، والثاني: ما كان حريماً لبلد أو بئر أو شجر أو دار، والثالث: ما كان بإقطاع الإمام، والرابع: ما كان بحماه.
(والإحياء) يكون بأحد أمور سبعة: الأول: (بتفجير ماء)
ــ
يطرح فيه التراب ويصب فيه ماء الميزاب أو ماء المرحاض.
قوله: [عطف على إحياء]: أي لأنه من تتمة التعريف كما تقدم التنبيه عليه والأولى أن يقول عطف على "بحريم" لأن العطف بـ "أو".
قوله: [من غير معمور العنوة] إلخ: أي وأما هو فإنه لا يقطعه الإمام ملكاً بل إمتاعاً.
قوله: [وليس هو من الإحياء]: أي لأن الإحياء بأمور سبعة ليس هذا منها.
قوله: [بل هو تمليك مجرد]: أي عن معاوضة، وعن سبب من أسباب الإحياء.
قوله: [ورجح]: أي عدم احتياجه لحيازة وعليه لو مات المقطوع له قبل حوزه استحقه وارثه.
قوله: [وإن ملكه المقطوع له]: أي فيلغز بها فيقال شخص جعل له الشارع أصالة أن يملك غيره ما لا ملك فيه لنفسه.
قوله: [العنوة]: أي التي فتحت قهراً.
قوله: [كما تقدم]: أي في الجهاد، قال خليل: ووقفت الأرض كمصر والشام والعراق.
قوله: [وانتفاعاً]: عطف تفسير.
واعلم أن ما اقتطعه الإمام من أرض العنوة إن كان لشخص بعينه انحل عنه بموته واحتاج لإقطاع بعده، وإن كان لشخص وذريته وعقبه استحقته ذريته بعده الأنثى كالذكر إلا لبيان تفضيل كالوقف وبقي النظر في الالتزام المعروف عندنا بمصر أو غيرها هل هو من الإقطاع فللملتزم أن يزيد في الأجرة المعلومة عندهم على الفلاحين ما شاء وبه أفتى بعض من سبق، أو ليس من الإقطاع وإنما الملتزم جاب على الفلاحين لبيت مال المسلمين ليس له زيادة ولا تنقيص لما ضرب عليهم من السلطان، وهو الظاهر، وليس هو من الإجارة في شيء كذا في الأصل.
قوله: [وأما ما لا يصلح لزرع الحب] إلخ: أي كأرض الجبال والرمال والتلال.
قوله: [يقطعه ملكاً وانتفاعاً]: أي فهو مخير بين أن يعطيه ملكاً بحيث يورث عن المقطوع له أو انتفاعاً فليس له فيه إلا الانتفاع ولا يملك الذات فعطف الانتفاع على الملك مغاير.
والحاصل: أن أرض العنوة التي لا تصلح إلا لزراعة الحب لا يقطعها الإمام إلا انتفاعاً ومثلها عقار الكفار، وأما أرض الصلح فليس للإمام تصرف فيها بوجه، وأما أرض العنوة التي لا تصلح لزراعة الأرض وأرض الفيافي والجبال والأرض التي انجلي عنها أهلها فيقطعها الإمام على ما يريد ملكاً وانتفاعاً.
قوله: [مطلقاً]: أي لا ملكاً ولا انتفاعاً سواء أسلم أهلها أو لا.
قوله: [أو بحماه]: عطف على قوله بإقطاع وبه التعريف.
قوله: [بحمى الإمام له]: أصل الحمى عند الجاهلية أن الرئيس منهم إذا نزل بأرض مخصبة يستعوي كلباً بمحل عال فحيث ينتهي إليه صوته من كل جانب حماه لنفسه فلا يرعى غيره فيه معه، ويرعى هو في غيره مع غيره وهذا لا يجوز شرعاً وإنما الشرعي يكون بأربعة شروط أفادها المصنف.
قوله: [من بلد]: أي أرض.
قوله: [لا لنفسه]: دخول على قوله: لكغزو، والأوضح تأخيره عنه ليكون محترزاً له.
قوله: [نائبه]: أي المفوض له لا قوله وإن لم يأذن له الإمام أي في الحمى بالخصوص.
قوله: [إلا بإذن]: أي خاص.
قوله: [بخلاف الحمى]: أي ففيه امتناع فقط.
قوله: [بالقصر]: أي بمعنى المحمي فهو مصدر بمعنى المفعول.
قوله: [وقد علمت]: أي من التعريف المتقدم.