فالمبالغة في كونهم باغية: أي أنهم باغية ولو كانوا متأولين، وغير المعصية الممتنعون من طاعته فيها؛ كمنع حق لله أو لآدمي وجب عليهم كزكاة وأداء ما عليهم مما جبوه لبيت المال؛ كخراج الأرض أو أبوا طاعته يريدون عزله ولو جار، إذ لا يعزل بعد انعقاد إمامته وإنما يجب وعظه على من له قدرة.
(فله): أي للإمام (قتالهم): ويجب كفاية على الناس معاونته عليهم حيث كان عدلاً، وإلا فلا يجوز له قتالهم لاحتمال أن خروجهم عليه لعدم عدله وإن كان لا يجوز لهم الخروج عليه (وقتلهم): بسيف ورمي بنبل وتغريق وقطع الميرة والماء عنهم ورميهم بنار إذا لم يكن فيهم نسوة وذرية.
(وأنذروا): فيدعوهم لطاعته. وإن هم لم يطيعوا قاتلهم ما لم يعاجلوه (بالقتال).
(وحرم) سبي ذراريهم لأنهم مسلمون و (إتلاف مالهم) وأخذه بدون احتياج له كما يأتي (ورفع رؤوسهم) بعد قتلهم (برماح) فيحرم لأنه مثلة بالمسلمين.
(واستعين عليهم) على قتالهم (بمالهم): من سلاح وخيل، فيجوز أن يأخذه ويحوزه (إن احتيج) للاستعانة به عليهم.
(ثم) بعد الاستغناء عنه (رد) إليهم (كغيره): أي كما يرد غير ما استعان به إذا وقع وحازه، أو أن الاستيلاء عليه بالقدرة كالحوز.
(وإن أمنوا) بضم الهمزة وكسر الميم مخففة: أي حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم (تركوا): ولا يسترقوا ولا يجوز للإمام أخذ مال منهم كالجزية، بل إن تركهم مع الأمن منهم يتركهم مجاناً.
(ولا يذفف) بذال معجمة أو مهملة: أي لا يجهز (على جريحهم) ولا يتبع منهزمهم فإن لم يؤمنوا أجهز على جريحهم وأتبع منهزمهم.
(وكره لرجل قتل أبيه) الباغي ولا يكره قتل جده أو ابنه (و) إن قتله (ورثه): لأنه وإن كان عمداً لكنه غير عدوان
(ولا يضمن) باغ (متأول) في خروجه على الإمام (مالاً ولا نفساً) أتلفهما ولا إثم عليه لتأوله بخلاف الباغي غير المتأول فعليه الضمان والإثم حيث كان الإمام عدلاً إذ الخارج على غير العدل كالمتأول.
(ومضى حكم قاضيه): أي قاضي الباغي المتأول الذي ولاه وهو خارج عن طاعة الإمام، فلا يتعقب، ويرفع الخلاف، فلا يعاد الحد الذي أقامه إن كان غير قتل ولا دية عليه إن كان قتلاً.
(ورد ذمي معه لذمته): أي خرج معه طائعاً ولا يعد خروجه مع المتأول نقضاً للعهد فلا يضمن نفساً ولا مالاً.
(و) الباغي (المعاند): غير المتأول الخارج عن الإمام العدل (ضامن) النفس والطرف والمال لعدم عذره.
(والذمي) الخارج طوعاً (معه): أي مع المعاند
ــ
لفظ وقوله.
قوله: [فالمبالغة في كونهم باغية]: أي مخطئين غير مصيبين ولا يلزم من الخطأ حصول الإثم.
قوله: [وغير المعصية] إلخ: معناه وخرج بقوله: في غير المعصية الممتنعون من طاعته فيها إلخ، وفي التركيب ركة وتعقيد لا يخفى.
قوله: [كخراج الأرض]: أي العنوية الذي أمروا بدفعه لبيت المال فامتنعوا، ويؤخذ من تعريف المصنف أن الإمام إذا كلف الناس بمال ظلماً فامتنعوا من إعطائه وقاتلهم فقاتلوه لا يكونون بغاة بذلك.
قوله: [إذ لا يعزل بعد انعقاد إمامته]: أي بمجرد الجور وإنما يعزل بالكفر قال صاحب الجوهرة:
إلا بكفر فانبذن عهده
قوله: [وإنما يجب وعظه]: أي بالكلام الذي يلين به القلب ويرضي الرب.
قوله: [وإلا فلا يجوز له قتالهم]: قال مالك - رضي الله عنه - دعه يعني غير العدل وما يراد منه ينتقم الله من الظالم بظالم ثم ينتقم الله من كليهما.
قوله: [وقطع الميرة] إلخ: الميرة في الأصل الإبل التي تحمل الطعام أريد بها هنا نفس الطعام.
قوله: [وأنذروا]: أي وجوباً.
قوله: [وحرم سبي ذراريهم]: مراده ما يشمل النساء.
قوله: [ورفع رءوسهم]: أي لا بمحل قتلهم ولا غيره هذا ظاهر الشارح.
قال (بن): وفيه نظر بل إنما يمنع حمل رءوسهم لمحل آخر كبلد أو وال وأما رفعها على الرماح في محل قتلهم فقط فجائز كالكفار، فلا فرق بين الكفار والبغاة في هذا، ولهذا لم يذكره ابن شاس في الأمور التي يمتاز فيها قتالهم عن قتال الكفار ونصه: يمتاز قتال البغاة عن قتال الكفار بأحد عشر وجها: أن يقصد بالقتال ردعهم لا قتلهم، وأن يكف عن مدبرهم ولا يجهز على جريحهم، ولا تقتل أسراهم ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم، ولا يستعن عليهم بمشرك ولا يوادعهم على مال ولا تنصب عليهم الردعات، ولا تحرق مساكنهم ولا يقطع شجرهم اهـ وقوله ولا يستعن عليهم بمشرك ولو خرج من نفسه طائعاً بخلاف الكفار.
قوله: [أي حصل الأمان للإمام]: أي لأنهم ما داموا خارجين لم يأمن الإمام منهم لخروجهم عن طاعته، فإذا انهزموا وعجزوا أمن منهم لدخولهم تحت طاعته.
قوله: [فإن لم يؤمنوا أجهز على جريحهم]: أي يجوز ذلك.
قوله: [قتل أبيه]: مثله الأم بل هي أولى لما جبلت عليه من الحنان والشفقة ولضعف مقاتلتها عن مقاتلة الرجال.
قوله: [ولا يضمن باغ متأول]: أي بدليل أن الصحابة أهدرت الدماء التي كانت في خروجهم ومن المعلوم أنهم كانوا متأولين.
قوله: [ومضى حكم قاضيه]: أي وأما غير المتأول فأحكامه التي حكم بها تتعقب فما وجد منها صواباً مضى وإلا رد.
قوله: [ورد ذمي معه لذمته]: أي بعد القدرة عليه.