للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير أنه قال مرة أخرى: "البلاغة: كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع فتمكنه في نفسه لتمكنه في نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن" (١).

ولعله عندما قصر البلاغة على المعنى والفصاحة على اللفظ كان يحاول تحديد كل منهما بالمعنى الاصطلاحي وعندما قال عن البلاغة: "إنها كل ما تبلغ به قلب السامع"، كان يحاول ربط المعنى العلمي للبلاغة بالمعنى اللغوي.

وأما ابن رشيق (ت ٤٦٣ هـ) فإنه يورد تعريفات للبلاغة معظمها وارد في الكتب السابقة؛ ولكنه يتبع هذا كله بتعريف آخر يقول فيه: "البلاغة: إهداء المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ" (٢).

فإذا ما وصلنا إلى إمام البلاغة عبد القاهر الجرجاني (ت ٤٧١ هـ) تلميذ القاضي أبى الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني (ت ٣٩٢ هـ) وجدنا البلاغة عنده مازالت مرادفة للفصاحة؛ كقوله: "الفصاحة في ترتيب الألفاظ حسب المعاني" وهذا هو معنى البلاغة عنده.

وكقوله: "إذا قصرنا الفصاحة على هذه الصفة لزمنا أن نخرج الفصاحة من حيز البلاغة ومن أن تكون نظيرة لها" (٣).

على أن أول من فرق بين الفصاحة والبلاغة تفريقاً لا يزال موجوداً إلى اليوم هو ابن سنان الخفاجي المتوفى سنة ٤٦٦ هـ فقد قصر الفصاحة على الألفاظ والبلاغة لا تكون إلا للألفاظ مع المعاني، وعلى هذا فكل كلام بليغ فصيح وليس كل كلام فصيح يكون بليغاً.


(١) الصناعتين ص ١.
(٢) العمدة ١٦١.
(٣) دلائل الإعجاز ص ٥.

<<  <   >  >>