في أي لحد كان، وفي أي مكان كان، لأن الذي يهمه إنما هو الدفاع عن حرماته، وحماية مكارم قبيلته ومناقبها، وأنه مهما بكى على أصدقائه فلن يرد بكاؤه شيئاً حقيراً، حتى ولو كان زنداً تافهاً.
ثم أعد قراءة القصيدة، وتفقد كلماتها، فإنك ستجدها سهلة الألفاظ، سلسة الأسلوب جميلة المعاني، قد تعانقت كلماتها تعانقاً لطيفاً آخذاً بعضها يحجز بعض، حتى إنك لا تمل من قراءتها لسهولتها، وسلاسة أسلوبها، وجمال نظمها.
فقد جاءت كلمات القصيدة فصيحة، متماسكة قوية معبرة أصدق تعبير عن مشاعر هذا الفارس مصورة لتجربته في اللقاء والنزال، موحية بما يكنه لقومه من حب وإيثار، وبما يتمتع به من قوة الجلد، والصبر في ميادين الشرف والبطولة.
وقد ضمنها خصائص بلاغية قيمة، فعرف حيث يقتضي المقام التعريف، ونكر حيث يقتضي المقام التنكير، وأكد حيث يقتضي المقام التأكيد، وتجنب التأكيد حيث لا يقتضي المقام التأكيد .. وهكذا وهذا هو المقصود بقولهم، مطابقة الكلام لمقتضى الحال:
فالحال: هي الأمر الداعي للمتكلم إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به أصل المعنى خصوصية ما، ومطابقة الكلام له بمعنى: اشتماله عليه.
فإذا كان المخاطب ينكر قيام (زيد) مثلاً، فإنكاره حال يدعو المتكلم إلى أن يخبره بقيامه مؤكداً، فيقول:(إن زيداً قائم)، وتأكيد الخبر هو: مقتضى الحال.
ومقتضى الحال مختلف، لأن مقامات الكلام متفاوتة:
فمقام التنكير يغاير مقام التعريف، ومقام الإطلاق يغاير مقام التقييد،