ومقام التقديم يغاير مقام التأخير، ومقام الذكر يغاير مقام الحذف، ومقام القصر يغاير مقام خلافه، ومقام الفصل يغاير مقام الوصل، ومقام الإيجاز يغاير مقام الأطناب والمساواة، وكذلك خطاب الذكي يغاير خطاب الغبي، وكذلك لكل كلمة مع صاحبتها مقام.
ولكن: ما الفرق بين الحال والمقام؟
الحال والمقام: متقاربا المفهوم؛ والتغاير بينهما أمر اعتباري، وذلك لأن الأمر الداعي. مقام: باعتبار توهم كونه محلاً لورود الكلام فيه على خصوصية ما، وحال: باعتبار كونه زماناً له.
وأيضاً: فإن المقام تعتبر إضافته للمقتضَى؛ فيقال: مقام التأكيد، والإطلاق والحذف، والإثبات، كما تعتبر إضافة الحال المقتضِي: فيقال: حال الإنكار وحال خلو الذهن، وغير ذلك.
وعلى ذلك: فعند تفاوت المقامات تختلف مقتضيات الأحوال، ضرورة أن الاعتبار اللائق بهذا المقام، غير الاعتبار اللائق بذلك، واختلافها هو عين اختلاف مقتضيات الأحوال.
وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول، يكون بمطابقته للاعتبار المناسب؛ وانحطاطه يكون لعدم مطابقته لهذا الاعتبار.
والمراد بالاعتبار المناسب: الأمر الذي اعتبره المتكلم متناسباً بحسب السليقة أو بحسب تراكيب البلغاء؛ فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب للحال والمقام، كالتأكيد والإطلاق وغيرهما.
ومطابقة الكلام لمقتضى الحال هو ما يسميه الإمام عبد القاهر الجرجاني باسم (النظم) حيث يقول في نظريته التي أسلفناها لك: "النظم هو توخي