للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظاهرة، كان جديرًا بألا ينكر، بل إما أن يعترف به، أو يتردد فيه، فنزل المخاطبون منزلة المترددين تنبيهًا لهم على ظهور أدلته، وحثًا على النظر فيها، ولهذا جاء تبعثون على الأصل (١).

ومما هو أصل في هذا الباب قول حجلة لن فضلة الباهي:

جاء شقيق عارضًا رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح

فقد رأى الشاعر شقيقًا مقبلًا غير مكترث بقومه، إذ جاء عارضًا رمحه، أي واضعًا له بالعرض على فخذه غير متهيئ لقتال، كأنه ينكر أن يكون فيهم من يستطيع لقاءه، فنزل منزلة من ينكر أن في بني عمه رماحًا، وإن لم يكن منكرًا في الحقيقة، فقال له: (إن بني عمك فيهم رماح).

وبعد: فقد رأيت مما أسلفنا لك: أن التوكيد وعدمه إنما ينظر فيهما إلى حال المخاطب الحقيقية والاعتبارية.

وقد ذكر الدكتور محمد أبو موسى: أن هناك ضروبًا أخرى من التوكيد لا ينظر فيها إلى حال المخاطب وإنما ينظر فيها المتكلم إلى حال نفسه، ومدى انفعاله بهذه الحقائق، وحرصه على إذاعتها. وتقريرها في النفوس كما أحمسها ص ١٣٩ مقررة أكيدة في نفسه، ولم ينس أن يرجح الفضل إلى ابن جني في هذا الباب، حيث أنه قد ذكر أن التوكيد قد يكون مرجعه إلى اهتمام المتكلم بالمعنى وأنه مستعظم له، وأن يريد أن ينقله إلى سامعه كما يجده في نفسه (٢).

ومن هذا الباب قول الله تعالى: - حكاية عن سيدنا إبراهيم - في ضراعته: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ


(١) ... الإيضاح: صـ ١٨.
(٢) ... خصائص التركيب صـ ٦٠.

<<  <   >  >>