للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ينزل غير المنكر منزلة المنكر: وذلك إذا ظهر عليه شيء من علامات الإنكار، فيلقى إليه الكلام مؤكدًا، وإن لم يكن في ظاهر حاله منكرًا.

فالمسلم المهمل في أداء الصلاة، نقول له: (إن الصلاة واجبة) تنزيلًا له منزلة المفكر، وإن لم يكن منكرًا لفرضية الصلاة، لأن إهماله في أداء الصلاة أمارة من أمارات الإنكار.

ومن هذا القبيل قول الله تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا} (١) فإتيان الساعة حقيقة لا ينكرها المسلمون، ولكن تصرف المسلمين حيال هذه الحقيقة تصرف من لا يؤمن بها، ولهذا خوطبوا خطاب المنكرين لقيام الساعة.

ومنه قوله تعالى - مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم -: "فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء" (٢)، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينكر أنه لا يستطيع إسماع الموتى، وإسماع الصم. ولكن لما كان مبالغًا في الإلحاح على دعوة المكابرين من الكفار إلى الإسلام نزل منزلة المنكر بهذه الحقيقة، وخوطب خطاب المنكر.

ولهذا قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (٣) مؤكدًا إثبات الموت بتأكيدين - وإن كان مما لا ينكر - لأنه نزل المخاطبين منزلة من يبالغ في إنكار الموت لتماديهم في الغفلة والإعراض عن العمل لما بعده، ولهذا قيل (ميتون) دون (تموتون) وأكد إثبات البعث تأكيدًا واحدًا - وإن كان مما ينكر - لأنه لما كانت أدلته


(١) ... الحج: ١.
(٢) ... الروم: ٥٣.
(٣) ... المؤمنون: ١٥، ١٦.

<<  <   >  >>