للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك كما في قولك: أنبت الربيع البقل، فإسناد الإنبات إلى الربيع إسناد مجازي، لأنه ليس الفاعل الحقيقي للإنبات، وكذلك تقول في: بني الأمير المدينة، لأن الأمير ليس هو الفاعل الحقيقي للبناء، وإنما بني العمال المدينة بأمر منه.

ويسمى هذا الإسناد: "مجازًا عقليًا".

وقد أشار إليه كل من سيبويه (١)، والمبرد (٢)، وابن رشيق (٣)، ولكنهم لم يضهوا له اسمًا (٤)، وقد سماه عبد القادر في الأسرار: مجازًا عقليًا، لأن المتصرف في الإسناد هو العقل ولكنه عاد فسماه في الدلائل: مجازًا حكميًا، لأن المجاز ليس في ذات الكلمة، وإنما هو في حكم جرى عليها (٥).

وقد بين عبد القادر الجرجاني قيمته البلاغية، وروعته في نظم الكلام ووصفه بأنه "كنز من كنوز البلاغة، ومادة الشاعر المفلق، والكاتب البليغ في الإبداع والإحسان، والاتساع في طرق البيان، وأنه يجيء بالكلام مطبوعًا مصنوعًا، وأنه بضعه بعيد المرام قريبًا من الإفهام (٦).

وقد أنكر السكاكي المجاز العقلي، وجعله من قبيل الاستعارة المكنية، فأخرجه من علم المعاني وأدخله في علم البيان.

ولكن الخطيب قد استنكر ما ذهب إليه السكاكي، فأخرجه من علم البيان وأدخله مرة أخرى في علم المعاني.


(١) ... الكتاب حـ ١ صـ ١٦٩.
(٢) ... الكامل حـ ١ صـ ١١٨.
(٣) ... العمد حـ ١ صـ ١٧٩، صـ ١٨٠.
(٤) ... أسرار البلاغة ٢٩٧، ٢٩٨.
(٥) ... دلائل الإعجاز صـ ١٩٣.
(٦) ... نفس المصدر.

<<  <   >  >>