ولما لم يكن من المستطاع تصور المجاز العقلي قبل تصور الحقيقة العقلية قدم البلاغيون بحثهم للحقيقة العقلية بين يدي بحثهم للمجاز العقلي.
وقد عرف الخطيب الحقيقة العقلية بأنها: "إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر (١).
وما في معنى الفعل هو: المصدر، واسم الفاعل، واسم المفعول وظرف الزمان وظرف المكان؛ واسم التفضيل.
أما قوله:(إلى ما هو له) فمعنا: إسناد الأفعال إلى فاعليها الحقيقيين، كالذي أسلفنا لك من نحو قولك: شفى الله المريض، ونصر الله الجيش وأنزل الله الغيث.
على أنه - وإن كنا نعتقد بأن الأفعال كلها مخلوقة لله تعالى - لا ينبغي أن ننسب كل فعل إلى الله تعالى، لأن منها ما لا يصح نسبته إليه سبحانه، كالأكل والشرب والقيام والقعود.
ولهذا لخص العلامة بهاء الدين السبكي وجوه الإسناد الذي يوصف بأنه حقيقي في ثلاثة أقسام:
الأول: إسناد الفعل لمن يقع منه الفعل حقيقة، ويؤثر في وجوده، وذلك لا يكون إلا الفاعل واحد هو الله تعالى، وأفعاله مثل: خلق الله، ورزق الله:
الثاني: إسناد الفعل لمن يقع منه حكمًا مثل: قام زيد.