للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسمعوه إياه في غناء؛ وأهل القرى ألطف نظراً من أهل البدو، فقالوا للجارية: إذا صرت إلى القافية فرتلي، فلما قالت: "الغراب الأسود" بالضم مع أن القافية مكسورة، علم فانتبه، فلم يعد فيه، وقال: قدمت الحجاز وفي شعري ضعة، ورحلت عنها وأنا أشعر الناس (١).

كما أنهم نظروا إلى المعنى وصوابه، كالذي تجده في قصة طرفة مع المسيب بن علس، فقد مر المسيب بمجلس بني قيس بن ثعلبة فاستنشدوه فأنشدهم، فلما بلغ قوله:

وقد أتناسى الهم عند إدكاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم

فقال طرفة: "أستنوق الجمل".

وأساس نقد طرفة للمسيب: أنه وصف الجمل بما توصف به الناقة؛ إذا أنهم قالو للناقة: ناجية ولم يقولوا للبعير: ناج (٢).

ونظروا إلى المقام وما يقتضيه من كلام، كالذي رووه من أن النابغة الذبياني كان حكم العرب في الجاهلية وكانوا يضربون له قبه من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها، فيقول فيه كلمته فتسير في الناس، ولا يستطيع أحد أن ينقضها؛ قالوا: وقد جلس النابغة للفصل مرة وتقاطر عليه الشعراء ينشدون بين يديه آخر ما أحدثوه من الشعر، أو أجود ما أحدثوه. وكان فيمن أنشده: أبو بصير ميمون أعشى بني قيس، فما إن سمع قصيدته حتى قضى له، ثم جاء من بعده شعراء كثيرون فيهم حسان بن ثابت الأنصاري، فأنشدوه، وجاءت في أخريات القوم: تماضر بنت عمرو بن الشريد، الخنساء، فأنشدته رائيتها التي ترثى فيها أخاها صخراً، والتي تقول فيها:


(١) الموشح للمرزباني ص ٣٨.
(٢) القاموس المحيط ج ٤ ص ١٥٧.

<<  <   >  >>