ولهذا فإن المتأخرين قد قاموا بهذه المهمة خير قيام، فبينوا لنا الأغراض البلاغية لحذف المسند إليه على النحو التالي:
١ - الاحتراز عن العبث في ذكره بناء على الظاهر، الدلالة القرينة عليه: وذلك كقولك لمن يستشرف الهلال: "الهلال والله" أي: هذا الهلال والله، فلو صرحت بذكر المسند إليه لكان ذكره عبثًا في الظاهر، بمعنى أنه لا يظهر له فائدة.
ومنه قولك:"حضر الجلسة" تريد الرئيس، إذا كان هناك قرينة قائمة على أن الرئيس قد حضرها.
ومنه قول الله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} أي: هي نار.
وإنما كان العبث في الظاهر لأن الحقيقة أنه لا عبث في ذكره - وإن قامت عليه القرائن - لأن المسند إليه أعظم ركني الإسناد، لأنه هو المحكوم عليه، فلا يكتفي فيه بالقرينة، بل ينبغي - مع ذلك - أن ينص عليه اهتمامًا بأمره.
٢ - ضيق المقام بسبب مرض أو ضجر، كما في قول الشاعر:
قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل ... سهر دائم، وحزن طويل
والتقدير: أنا عليل، وحالي سهر دائم.
وقد حذف المسند إليه في شطري البيت لضيق المقام.
ومن الحذف لضيق الصدر، قوله تعالى:{فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}؛ أي: أنا عجوز، فحذفت المسند إليه لما تحسه من ضيق