وأنظر كيف يقول: غضبي، وكأنه لا يكاد يصدق هذا الخبر، ولهذا كان اهتمامه منصبًا على المسند طاويًا ذكر المسند إليه ناسيًا له.
ومن جيد هذا التعبير: قول الآخر - يخاطب امرأته وقد لامته على الجود-:
قالت سمية: قد غويت، بأن رأت ... حقًا تناوب مالنا ووفودًا
غي لعمرك لا أزال أهوده ... ما دام مال عندنا موجودًا
غوى الرجل: منى باب ضرب غيًا: ضل وغاب وانهمك في الجهل، وهو خلاف الرشد.
والمعنى: ذاك غي لا أزال أعود إليه فدعا عنك لومي.
فأنت ترى أن الشاعر قد دار بينه وبين زوجته سمية نقاش حول رشده وغيه في تصرفه في مالهما، وأنها قد وصفته - على غير ما توقع - بالغي والضلال، فكان اهتمامه منصبًا على هذه الصفة وهي الغي، فقال: غي، طاويًا ذكر المسند إليه، ناسيًا له.
ذلكم كان تصور عبد القاهر الجرجاني لصور الحذف في المسند إليه، والتي تراءت له من تتبعه لأساليب العرب الفصحاء.
لاحظ تلكم الأحوال السابقة ملاحظة دقيقة، فرأى العرب الفصحاء يحذفون فيها المسند إليه وقارن بين الحذف وعدمه، فتراءى له فضل الحذف واضحًا جليًا، وظهرت له مزيتة رائعة باهرة.
بيد أنه لم يبين لنا سر الحذف في كل موضع كان الحذف فيه أمرًا تقتضيه بلاغة الأساليب.