الذي عرض عليه أن يأخذ منه بعض ماله من حق قبل أن تشغله الشواغل، بيد أنه تباطأ وتثاقل وتثاءب حتى ظن الشاعر أنه سوف يلقي نفسه من جوفه والذي عندي: هو أن عدم الذكر هنا إنما كان مطلوبًا لدلالة الكلام عليه، فذكره عبث يجب أن يتنزه عنه الشاعر أو الأديب.
الرابعة: أن يكون الكلام قائمًا على أساس حذف المبتدأ أو إبعاده من الخطور بالمال، وذلك بأن يكون المسند محل اهتمام المتكلم، كأن يكون محل نقاش وجدال وأخذ ورد، ثم يأتي غير ما كان يتوقع وحينئذ يطوي ذكر المسند إليه وينسى من الخاطر، لأن الأهم هو ما دار حوله النقاش.
أنظر إلى قول بكر بن النطاح - في جارية كان يحبها وسعى به إليها فمنعوها منه -:
العين تبدى الحب والبغضا ... وتظهر الإبرام والنقضا
درة ما أنصفتني في الهوى ... ولا رحمت الجسد المنضى
مرت بنا في قرطق أخضر ... يعشق منها بعضها بعضًا
غضبي ولا والله يا أهلها ... لا أطعم البارد أو ترضى
كيف أطاعتكم بهجري وقد ... جعلت خدي لها أرضًا؟ !
والمقصود هنا هو قوله:(غضبي) وذلك لأن التقدير: هي غضبي، أو غضبي هي - لا محالة - إلا أنك ترى النفس كيف تتفادى من إظهار هذا المحذوف، وكيف تأنس إلى إضماره، وترى الملاحة كيف تذهب إن رمت التكلم به.
أنظر كيف كان غضب درة ورضاها محل اهتمام الشاعر وقت أن سعى إلى أهلها طالبًا يدها وكيف كانت إجابتها على غير ما توقع، إذ غضبت عليه بعد أن جعل خديه لها أرضًا!