للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعبد القادر بعد أن سرد ما سرد من الأمثلة التي دخلها الحذف، يطلب من قارئه أن يتدبر مواضع الحذف منها، ليعلم صدق ما قاله عن الحذف، وأنه رب حذف هو قلادة الجيد وقاعدة التجويد (١).

ثم يأتي بما هو أصدق مما ذكره شهادة، وأدل منها دلالة، وهو قول عبد الله بن الزبير الأسدي - يذكر غريمًا له قد ألح عليه:

عرضت على زيد ليأخذ بعض ما ... يحاوله قبل اعتراض الشواغل

فدب دبيب البغل يألم ظهره ... وقال: تعلم أنني غير فاعل

تثاءب حتى فلت داسع نفسه ... وأخرج أنيابًا له كالمعاول

دسع: قاء ملء الفم، ودسع بقيته: رمى به، والأصل: هو واسع نفسه، أي حسبته من شدة التثاؤب، ومما به من الجهد يقذف نفسه من جوفه ويخرجها من صدره كما يدسع البعير جرته.

وإنما كان هذا المثال أصدق شاهدًا مما قبله وأدل على بابه، لأن الأمثلة السابقة كان المسند إليه فيها يحذف في أول الأبيات، أما في هذا المثال فالحذف قد جاء في وسط الكلام - كما رأيت -.

وفي هذا دليل على أن مقام الحذف ليس الانتقال من مقطع إلى آخر كما ذهب إليه الدكتور محمد أبو موسى، فقد جاء الحذف هنا في وسط الكلام وفي مقطع واحد - كما ترى -، لأن الشاعر يحكي قصته مع غريمه


(١) ... دلائل الإعجاز ص ٩٩.

<<  <   >  >>