ومن ذلك قول عبد الله بن الدمينة الخثعمي (١)، معاتبًا صاحبته أمامة (١):
وأنت التي قطعت قبلي حزازة ... وفرقت قرح القلب فهو كليم
وأنت التي كلفتني دلج السرى ... وجون القطا بالجهلتين جثوم
وأنت التي أحفظت قومي فكلهم ... بعيد الرضا، داني الصدود كظوم
فأجابته أمامة - على وزنها ورويها -:
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمت بي من كان فيك يلوم
وأبرزتني للناس ثم تركتني ... لهم غرضًا أرمى وأنت سليم
فلو أن قولًا لا يكلم الجسم قد بدا ... بجسمي من قمول الوشاة كلوم
الدلج: السير أول الليل، والسرى: سير عامته، والجون: الأسود، والجهلتان: ناحيتا الوادي وجثوم الطائر كالبروك للبعير. وذلك بأن يلصق صدره بالأرض، والحزازة: الوجد الذي يقطع القلب وفرقت الجرح: إذا قشرته ولم يكن تدبرًا، والكليم: الجريح، وأحفظه: أغضبه، والكظيم هو الممسك على ما في نفسه منك على صفح أو غيظ، وأبرزتني للناس: أي كشفت أمري لهم، والكلم: الجرح والشاعر هنا يلوم صاحبته بأنها قطعت قلبه وجدًا، ونكأت جرح قلبه، وكلفته الإدلاج بالسرى، وأغضبت قومه عليه.
وأمامة تجيبه معاتبة هي الأخرى بأنه ألخف وعده لها، وأشمت بها
(١) ... الدمينة أمه: واسمه: عبد الله بن عبد الله ويكنى أبا السري، وهو من بني خثعم، شاعر إسلامي مجيد، سجنه مصعب بن الزبير في دم كان قبلت فأخرجه قومه من السجن وهرب إلى صنعاء (ديوان الحماسة حـ ٢ ص ٥٧).