كأن وفود الفيض يوم تحملوا ... إلى الفيض لاقوا عنده ليلة القدر
مواقع جود الفيض في كل بلدة ... مواقع ماء المزن في البلد القفر
ومن تكرير الأسماء إذا جاءت على سبيل الهجاء: قول جرير في سدوس:
أخلاي الكرام سوى سدوس ... ومالي في سدوس من خليل
إذا أنزلت رحلك في سدوس ... فقد أنزلت منزلة الذليل
وقد علمت سدوس أن فيها ... منار اللؤم واضحة السبيل
فما أعطت سدوس من كثير ... ولا حامت سدوس عن قليل
فالشاعر يهجو قبيلة (سدوس) فينفي الكرم عن أفرادها جميعا، فهو لم يخالل واحدا منهم، لأن أخلاءه كرام، وهم ليسوا بهذه المثابة، ثم يلتفت إلى المخاطب وإلى كل من يسمع شعره هذا قائلا: إذا ما اضطررت إلى النزول بهذه القبيلة فإنك تكون قد نزلت منزلة الذلة والمهانة، لأن أهلها قد جبلوا ذلك، وهم جميعاً يعلمون هذا فلا هم أعطوا عن كثرة، فهم بخلاء، ولا هم دافعوا عن القليل، فهم جبناء.
وأنت تشعر معي بأن الشاعر قد حرص على تكرير اسم قبيلة (سدوس) هذا، لكي يمرغ هذه القبيلة في أوحال هجائه، وهو يشعر في قرارة نفسه بمهانة هذه القبيلة وذلتها وكأن اسمها أصبح - في نظره - مبعث الحقارة، ومنبع المهانة.
والشاهد في هذه الأبيات قوله. (فما أعطت سدوس) وقوله: (ولا حامت سدوس) حيث كرر المسند إليه في الأبيات لهجائه.