للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأصل الخطاب أن يكون لمعين - كما قالوا -، فإذا قلت لشخص أمامك: إن أكرمتني أكرمتك كان خطابك موجها إليه وحده لا يتعداه إلى غيره.

ولكنك قد تعدل عن هذا التعيين في الخطاب إلى العموم فيه، فلا توجه خطابك إلى مخاطب معين، ولكن توجهه إلى كل من يتأتى منه الخطاب، كأن تقول: "فلان لئيم، إن أكرمته أهانك، وإن أحسنت إليه أساء إليك" فلا تريد مخاطباً معيناً، ولكنك تقصد: أنه إن أكرمه أي إنسان أهانه، وإن أحسن إليه أي إنسان أساء إليه ومعنى ذلك: أن سوء معاملته لا يختص بشخص دون آخر.

وهذا الخروج عن التعيين إلى العموم في الخطاب قد يكون الغرض منه هو التشهير بمن تتحدث عنه، لأنك تريد أن يفتضح أمره أمام الناس جميعا.

ومن شواهد البلاغين في هذا: قول الله تعالى: "ولَوْ تَرَى إذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ (١) ".

فالخطاب في الآية الكريمة لم يوجه إلى مخاطب معين، وإنما هو خطاب عام شامل لكل من تتأتى منه الرؤية.

والمقصود بذلك هو: تفظيع حالهم، وتهويل ما وصلت إليه من الشناعة، وأنها قد تناهت في الظهور والافتضاح أمام أهل المحشر إلى درجة يمتنع معها خفاؤها، فلا تختص بها رؤية راء دون راء، ومن ثم فإن هذا الخطاب لا يختص به مخاطب دون مخاطب، بل إن كل من تتأتى منه الرؤية له مدخل في هذا الخطاب (٢).


(١))) السجدة: ١٢
(٢))) شروح التلخيص حـ ١ صـ ٢٩١

<<  <   >  >>