للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو البحر غص فيه إذا كان راكداً ... على الدر، واحذره إذا كان مزبداً

يقول: إن كل إنسان له في حياته ما تعود عليه من عادات، وعادات سيف الدولة هي ضرب أعدائه وأن يكذب الأعداء فيما يرجفون به من قصوره عنهم، بهزيمته لهم، ويبيت سعيداً بتحرشهم به، لأنه يبيت ظافراً بهم.

ورب قاصد ضره عاد الضر عليه، ورب قائد جيش هدى الجيش إليه، فأسلمه إلى حتفه، فصار غنيمة له، ومتكبر عن الإيمان بالله رأى سيفه في كفه فآمن وأتى بالشهادتين.

فأته مسالما، ولا تأته محارباً، فإنه كالبحر، يسلم الغائص فيه على الدر إذا كان ساكناً، ويحذره إذا كان هائجا مزبداً.

والشاهد في الأبيات قوله (هو البحر) حيث أتى بالمسند إليه ضمير غيبة لأن المقام له لتقدم ذكره في قوله: (وعادات سيف الدولة الضرب في العدا)

ومثال ما هو في حكم المذكر لقرينة: قول الله تعالى: "وإن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ" فمرجع الضمير في الآية هو: الرجوع بقرينة قوله: "فارجعوا".

ومنه قول الله تعالى: "ولأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ"، فمرجع الضمير في قوله «مما ترك» هو الميت، لأن قرينة الحال دلت عليه لأن الكلام مسوق لبيان الإرث.

ومما يتصل ببحثنا هذا، قولهم: "وأصل الخطاب أن يكون لمعين، وقد يترك إلى غير معين ليعم الخطاب كل مخاطب".

وتلك - لعمري - شهادة ضمنية منهم بأن أصل وضع الضمير - سواء أكان للخطاب، أو للتكلم، أو للغيبة - إنما هو حقيقة لا يتم الكلام بدونا، وأن الخروج عن هذه الحقيقة هو الذي ينبغي أن يبحثه البلاغي.

<<  <   >  >>