للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمع المسلمون القرآن، وقرأوه وحفظوه؛ فتمثلوا فيه جلائل المعاني، ونفائس الأفكار، وذخائر الألفاظ وروائع النظم، فعرفوا أن بلاغة القرآن الكريم فوق مقدور البشر، وهان أمر بلاغتهم أمام بلاغته، وضعف أمر فصاحتهم أما فصاحته؛ وصدق قول الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (١).

فأقبل المسلمون على القرآن الكريم، يتزودون من معينه الذي لا ينضب، ويرتشفون من رحيقه العذب، ويرتوون من مائه السلسبيل، حتى رق إحساسهم، وأرهفت مشاعرهم، وسلمت أذواقهم، وعرفوا من خواص التراكيب ما لم يكونوا يعرفون، وشهدوا من مظاهر النظم وخصائصه ما لم يكونوا يشهدون!

وكانت أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي أعطى جوامع الكلم ولا ينطق عن الهوى - تتردد على الأسماع؛ يحرص المسلمون على سماعها حرصهم على سماع آيات القرآن الكريم، ويتناقلونها فيما بينهم في شغف ولهفة وشوق وقد وصف الجاحظ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال، وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة وغشاه بالقبول وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام وقلة عدد الكلام، مع استغنائه عن إعادته، وقلة حاجة السامع إلى معاودته، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعاً، ولا أقصد لفظاً ولا أعدل وزناً ولا أجمل مذهباً، ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى من كلامه صلى الله عليه وسلم (٢).


(١) الإسراء: ١٧.
(٢) البيان والتبيين ج ٢ ص ١٢.

<<  <   >  >>