للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يتعجبون لفصاحة النبي صلى الله عليه وسلم ويرون أنه أفصح العرب، فابن الأعرابي يحدثنا بأن رسول الله كان جالساً مع الصحابة، فسألوه عن سحابة فأجابهم، فقالوا: يا رسول الله ما أفصحك ما رأينا الذي هو أفصح منك! فقال. وما يمنعني؟ وإنما أنزل القرآن بلساني، بلسان عربي مبين (١).

وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: فيم الجمال؟ فقال: في اللسان؛ يريد: البيان (٢).

ومما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعني أن أشد العناية بتخير لفظه، وانتقاء كلماته المعبرة: ما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقولن أحدكم خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي كراهة أن يضيف المسلم الخبث إلى نفسه (٣).

والخلفاء الراشدون - رضوان الله عليهم - كانوا خطباء مفوهين، وكانوا يتخيرون ألفاظهم في أحاديثهم، لتكون معبرة أصدق تعبير عما في نفوسهم، مهتدين في ذلك بهدى القرآن الكريم وحديث رسوله الكريم ومما يدل على إرهاف حسهم، ودقة شعورهم: هذه الرواية الشهيرة عن أبى بكر - رضي الله عنه - وهي: أنه عرض لرجل معه ثوب فقال له: أنبيع الثوب؟ فأجابه: لا، عافاك الله، فتأذى أبو بكر مما يوهمه ظاهر اللفظ، إذ قد يظن أن النفي موجه إلى الدعاء، عليه بدلاً من الدعاء له فقال له: "لقد علمتم لو كنتم تعلمون، قل: لا وعافاك الله (٤).


(١) مجالس ثعلب ص ٤٥٤.
(٢) الحيوان جـ ١ ص ٣٣٥.
(٣) الحيوان (طبعة الحلبي) جـ ١ ص ٣٣٥.
(٤) البيان والتبيين جـ ١ ص ٢٦١.

<<  <   >  >>