للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ما حدثتني نفسي بالسلو عنها كان ضميري شفيعا إلى إخراج وساوس السلو من قلبي.

فجو الأبيات يوحي برابطة الحب القوية التي لا يمكن انفصامها بين هذين الحبيبين، فقد خلقا من أجل هذا الحب، ولا مفر من الاكتواء بناره؛ وقد صاغها النعيم صياغة تجعل السلو عنها مستحيلا، فحجبها تحيتها ليس صدا أو بعداً؛ وإنما هو دلال وزيادة محبة؛ فحبها في قلبه لا يمكن للوساوس أن تنال منه.

والشاهد في البيت الأول حيث قال: (إن التي زعملت فؤادك ملها) فعبر عن المسند إليه بالموصول تنبيها إلى خطأ صاحبته في زعمها أن قلبه قد زهد فيها، وتحول منها إلى غيرها.

ولعلك لاحظت أثر هذه النكتة البلاغية فيما تبعها من أبيات؛ فقد جعلت البيت الأول منها بيت القصيد - كما يقولون - لأن البيت الثاني قد جاء تعليلا لحبهما الأزلي في البيت الأول، والثاني أثر من آثار هذا الحب إذ حجبت تحيتها عنه لتزيده شوقا وحنينا وصبوة، والرابع تأكيد لتمكن هذا الحب من قلبه؛ إذ يشفع الضمير إلى الفؤاد لإبعاد وساوس السلو عنه.

وقد يكون في مدلول الصلة ما يومئ إلى نوع الخبر، فيؤتى بالمسند إليه موصولا للإيماءة إلى هذا الخبر.

وذلك كما في قول الله تعالى: "إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلاً".

فمدلول الصلة هو "الإيمان" والعمل الصالح، يشير إلى أن الخبر من نوع الإثابة وحسن الجزاء.

<<  <   >  >>