للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ينبه بنيه إلى أن هؤلاء القوم الذين يظنونهم أصدقاء لهم ويثقون فيهم، إنما هم على غير ما ظنوا، فهم يودون إيذاءهم وإيقاع الشر بهم.

والشاهد في الأبيات قوله: "إن الذين ترونهم إخوانكم" حيث عبر عن المسند إليه بالموصول لتنبيه المخاطبين إلى خطئهم، ولو قال: إن قوم فلان يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا، لما كان فيه تنبيها إلى الخطأ.

ومما فيه تنبيه "إلى خطأ غير المخاطب قول عروة بن أذينة متغزلا" (١):

إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها

بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقها، وأجلها

حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلها

وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها

يقول الشاعر - مخاطباً نفسه - إن الفتاة التي ظنت أنك مللتها مخطئة في ظنها، فقد خلقت لحبك كما أنك قد خلقت لحبها، فهي حسناء تربت في النعيم، فصاغها النعيم بلباقة وحكمة، فأدق منها ما يستحب دقيقه، وأجل منها ما يستحب جليله، ولما منعت تحيتها عني دلالا قلت لصاحبي: ما كان أكثرها لنا حيث كانت مواصلة بالعطف والميل، وما أقلها لنا الساعة إذ قد زهدت فنيا.


(١))) ديوان الحماسة لأبي تمام جـ ٢ صـ ٦٣، صـ ٦٤

<<  <   >  >>