للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلقد توارت قبيلة جرير أمام عزهم خجلا وضعة، ودخلت في جحر كأن أفرادها أمامه حشرات قذرة؛ فبيت جرير - في الوهن والذل - كبيت العنكبوت، وقد قال تعالى: "وإنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ".

والشاهد في البيت الأول من هذه الأبيات؛ حيث عبر عن المسند إليه بالموصول؛ لأن فيه إيماء إلى أن الخبر المترتب عليه من نوع البناء الرفيع؛ ولكن ذلك ليس هو غرض الشاعر، وإنما غرضه أن يتوسل بهذا الإيماء إلى التعريض بتعظيم شأن بيته وتفخيمه، لأنه من صنع من رفع السماء.

وقد رأيت أن هذه النكتة البلاغية التي لحظها الشاعر قد جعلت منطلقاً إلى المعاني التي تناولتها الأبيات الأخرى.

وقد أنهى الفرزدق قصيدته ببيت فيه شاهد آخر لتلك النكتة البلاغية - أعني جعل الإيماء إلى نوع الخبر وسيلة إلى التعريض بتعظيم شأن الخبر - فقال عن قصيدته هذه:

إن التي فقئت بها أبصاركم ... - وهي التي دمغت أباك - الفيصل!

فالتعبير عن قصيدته تلك بالموصول الذي تضمنت صلته أنها فقأت أبصارهم، ودمغت أباه فيه إيماء إلى نوع الخبر لأنها إذا كانت قد فقأت أبصارهم ودمغت أباه، فلابد أن لها أثراً قوياً، ولكن الشاعر يقصد من وراء هذا الإيماء إلى تعظيم شأن الخبر، وهو أن هذه القصيدة فاصلة، لا أثر يبلغ مبلغ أثرها في الفضل بين عز الفرزدق وذلة جرير.

ولهذا سميت هذه القصيدة باسم: الفيصل.

ومما فيه تعريض بالتهوين من شأن الخبر قولك: إن الذي لا يعرف

<<  <   >  >>