للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولئن كان عبدة بن الطبيب قد رأى في البعد حلا لمعضلته في الحب؛ فقد رأى المجنون أن البين أجدى من القرب إذا كنت في القرب مروعاً بقدر من تحب (١):

علام نخاف البين، والبين نافع ... إذا كان قرب الدار ليس بنافع

إذا لم تزل ممن تحب مروعاً ... بغدر؛ فإن البين ليس برائع

ولاحظ عبارته: "والبين نافع" وقوله: "ليس برائع" أي ليس بمخيف.

وعلى أية حال: فإن محاولة الشاعر نسيان صاحبته خولة، ليست دليلا على عدم صدقه في الحب؛ لأنها لا تعدو أن تكون محاولة لصرف النفس عن لواعج التذكار؛ ولكن نار الحب تظل كامنة بالقلب وقد حاول قيس ابن الملوح نسيان ليلى؛ فدعا الله أن يبغضها إليه؛ فهل أفلح في محاولته؟ .

وصحيح أن البعد لا يشفي من الحب، ولكن القرب - أيضاً - لا يشفي منه، إذا كانت الصاحبة ليست بذات ود.

يقول قيس بن الملوح من قصيدة له، وقد رويت الأبيات نفسها - في حماسة أبي تمام - لابن الدمينة:

وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وأن النأى يشفي من الوجد

بكل تداوينا، فلم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد

على أن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود!


(١))) ديوان مجنون ليلى ص ٤٧

<<  <   >  >>