للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فناسب أن بقول في أول البيت: "وإذا تأمل شخص ضيف مقبل" لأنه إذا أقبل الضيف وقد أسدل الليل ستاره الداكن على الكون، فإنه ليس في استطاعة إنسان أن يميز شخص المقبل عليه إلا بعد تأمل.

ولهذا فإننا لسنا مع العلامة السبكي في أن في قول الشاعر نقصاً أدبياً، وأنه كان عليه أن يقول: تخيل، أو توهم، لما أسلفته لك منذ قليل:

واستمع إلى قول الآخر:

ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان: عير الحي والوتد

هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد!

تجد الشاعر قد أشار إلى العير ليميزه عن الوتد بقوله: (هذا) ليضيف إليه الخبر الخاص به قويا متمكنا، وهو: أنه مربوط برمته على الذلة والمهانة، ثم أشار إلى الوتد بقوله (ذا) ليميزه عن العير أكمل تمييز، ليضيف إليه الخبر الخاص به قويا متمكنا، وهو أنه يشق فلا يرثي لحاله إنسان!

وقد يكون الغرض من تعريف المسند إليه باسم الإشارة: التعريض بغباوة السامع، وأنه لا يفهم إلا المحسوسات التي يشار إليها بالبنان:

ومن ذلك ما رواه أبو الفرج الأصفهاني، فقال: حج الفرزدق بعد ما كبر، وقد أتت له سبعون سنة وكان هشام بن عبد الملك قد حج في ذلك العام، فرأى علي بن الحسين في غمار الناس في الطواف، فقال: من هذا الأب الذي تبرق أسارير وجهه كأنه مرأة صينية تتراءى فيها عذارى الحي وجوهها؟

<<  <   >  >>