للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودلالة اسم الإشارة على القريب في نحو: هذا زيد، وعلى البعيد في نحو: ذلك عمرو، وعلى المتوسط بين القرب والبعد في نحو، ذاك بشر، دلالة لغوية لا شأن للبلاغيين بها.

ولكن لها استعمالات مجازية تلقي على الكلام ظلالا من القرب أو البعد، هي من شأن البلاغيين وموضع اهتمامهم، وللأديب البصير بمسالك الكلام ودروبه في مجالها مراتع خصبة، ومنابع عذبة، يستطيع - في ظلالها - ترويض القرب أو البعد ليكون طوع قلمه ورهن إشارته، فتارة يكون مجالا للتعظيم - إن شاء - وتارة أخرى يكون مجالا للتحقير - إن شاء - أيضاً!

وللبلاغيين في ذلك فلسفة لا تخرج عن دائرة الذوق البلاغي السليم، والحس الأدبي المرهف فإن قصدوا بالقرب التعظيم؛ فذلك لأن المحبوب ما يكون مخالطاً للنفس حاضرا في الذهن لا يغيب عن الخاطر، فتعظيمه - إذن - يناسبه القرب المكاني.

وإذا قصدوا به التحقير: كان السر في هذه الدلالة: أن الحقير - عادة - لا يمتنع على الناس، بل يكون قريب الوصول إليه، سهل التناول مبتذلا، دائماً بين أيديهم وأرجلهم، فتحقيره يناسبه القرب المكاني.

وإذا قصدوا بالبعد التعظيم: كان السر - في هذه الدلالة - أن العظيم - عادة - يتأبى على الناس وينأى عنهم لعزته ورفعة شأنه، فتعظيمه حينئذ يناسبه البعد المكاني.

وإذا قصدوا به التحقير كان السر في هذه الدلالة: أن الحقير شأنه ألا يلتفت إليه ولا يعرض للخاطر لنفرة النفوس منه، فتحقيره حينئذ يناسبه البعد المكاني.

<<  <   >  >>