للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(من يعرف الله يعرف أولية ذا) وكان من الممكن أن يقول: (أوليته) ويسلم له - مع هذا - وزن البيت.

ولكنه آثر (ذا) لما أسلفت لك من أنه قد آثر الإشارة المكررة سخرية من هشام بن عبد الملك الذي تجاهل من يعرفه المسلمون جميعاً يومئذ.

ولهذا فإن (ذا) هنا قد وقعت في موقعها الذي أراده لها الشاعر، فزادت من قوة الأسلوب ورصانته.

والقاضي الجرجاني لم ينكر استعمال اسم الإشارة مطلقاً - كما يقول الدكتور محمد أبو موسى - في صنعة الشعر، وإنما أنكر - فقط (ذا) بدون هاء التنبيه؛ لأن استعمالها بدون الهاء لا يقدر عليه إلا أديب حصيف عارف برياضة التراكيب.

وكان من أثر التعريض بغباوة هشام بن عبد الملك الذي نشأ عن تعريف علي بن الحسين بهذا الفيض من الإشارات التي أشاعت روح السخرية في القصيدة كلها من هشام بن عبد الملك، أن غضب هشام، فأمر بحبس الفرزدق بين مكة والمدينة، فقال الفرزدق:

أتحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوى منيبها؟ !

يقلب رأساً لم يكن رأس سيد ... وعيناً له حولاء باد عيوبها؟ !

فلما بلغ شعره هشاماً عفا عنه وأطلقه (١).


(١))) الأغاني جـ ٢٥ صـ ٨٦٥٤

<<  <   >  >>