للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمغامر: الذي يدخل في الشدائد ويدخل غيره فيها، وخام: جبن، الألد: شديد الخصومة، المداعس: المطاعن.

الشاعر يحكي قول زوجته - وهي مذهولة متعجبة من تقاعسه أمام الرحى: أبعلي هذا الذي أراه متقاعساً أمام الرحى؟ ! فيقول لها: لا تعجبي وتبيني أفعالي الحميدة من البأس والنجدة والحمية في غمرة القتال وقد التفت الفوارس من حولي، فأنا الذي أرد القرن فيخر صريعاً لوجهه مطعوناً بسنان ذي حدين: وأقبل على الموت ولا أبالي به، في الوقت الذي يفر فيه المغامر الذي يدخل نفسه وغيره في الشدائد، وأتلقى ما يعتريني من وساوس النفس بالحزم والنظر في عواقب الأمور في الوقت الذي تشتد فيه على غيري، وتكثر أحاديث النفس، وإذا تأخر غيري عن الحرب جبنا تقدمت أنا إليها، ولو لاقيت من شدتها وهولها ما يخاف منه اللجوج المطاعن.

وأقسم بأبيك الخير: أنه ما حملني على الطحن بالرحى إلا التواضع لخدمة أضيافي، فلا تأسفي على هذا الفعل مني، فإني لذلك الفارس إذا ركبت الحرب!

والشاهد في الأبيات قوله: "أبعلي هذا؟ ! " فإن صاحبته قد عبرت عنه باسم الإشارة للقريب؛ إشارة منها إلى دنو منزلته، والتصاقه بالتراب متقاعساً يطحن بالرحى شأن الخدم والعبيد.

ولعلك تلحظ معي أن الاستفهام هنا إنكاري تعجبي، وأنه منصب على بعلها، وأن بعلها قد قدمته لهذا الغرض، فهي تنكر أن يكون بعلها بهذه المثابة، وتتعجب لهذا الصنيع منه ولهذا فإنه قد رد عليها بأقوى ما يكون الرد، فطلب منها ألا تتعجل في الحكم عليه بدنو المنزلة فإن منزلته مرتفعة بفعاله الحميدة في مقارعة الأبطال يوم النزال.

<<  <   >  >>