للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد زارني خيالها في السجن ليلاً، فعجبت له، كيف استطاع أن يخترق أسوار هذا السجن وبابه مغلق دوني؟ ! لقد زارني خيالها فحياني وودعني، فلما ذهب عني كادت نفسي تذهب بذهابه!

ثم التفت إلى محبوبته قائلاً: فلا تحسبي أنني خضعت بعدكم لشيء، ولا أنني أخاف الموت، ولا أن نفسي يستخفها تهديد القوم الذين حبست من أجلهم، ولا أنني ضجرت بالمشي في القيد، فأنا كالعهد بي: شجاع أبي صبور.

ولكن عراني من حبك ضعف مزمن شبيه بالذي كنت ألقاه منك وأنا طليق متمتع بنسيم الحرية.

والشاهد في الأبيات قوله: (هوي) حيث عرف المسند إليه بالإضافة لأنها أخصر طريق إلى إحضاره في ذهن السامع لفرط السآمة وضيق صدر الشاعر.

وقد أطلق الشاعر الهوى على المهوى مجازاً، أي الذي أهواه.

ولعل في التعبير بقوله: (هواي مع الركب) ما يفيد قوة تعلقه بذلك الركب الذي سار وفيه جزء من الشاعر لا ينفك عنه! وكلما سار الركب كلما شد هذا الجثمان المقيد بمكة فزاد من وجده.

وفي التعبير "بالجثمان" ما يوحي بأن روحه هي الأخرى قد سارت مع الركب متعلقة بمحبوبته فظل هو بمكة جثماناً بلا روح!

وقد يكون الغرض من تعريف المسند إليه بالإضافة، إغناؤها عن تفصيل متعذر، وذلك كما في قول مروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة (١):


(١) العمدة، ج ٢، ص ١٤٢.
(١٧ - النظم البلاغي)

<<  <   >  >>