فإذا ما استمعت إلى قولهم:" (إن له لا بلا، وإن له لغنما) وجدت تنكير المسند إليه في هذا القول قد أفاد تكثيره، أي، أن له لإبلاء كثيرة، وإن له لغنماً كثيرة.
وإذا ما استمعت إلى قولهم:(كلم تتضمن حكماً خير من سفر ينضج هراء) وجدت تنكيره في هذا القول قد أفاد تقليله، أي: عدد قليل من الكلمات.
وهكذا - أيضاً - تجد التنكير: تارة يفيد تكثير المسند إليه، وتارة يفيد تقليله:
فإذا ما تلوت قول الله تعالى: "وإن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ" وجدت التعظيم والتكثير قد اجتمعا في تنكير المسند إليه - وهو (رسل) - أي: رسل كثيرون، ذوو شأن عظيم.
وهذا أبو السمط - وهو مروان بن أبي حفصة - يقول مادحاً:
فتى لا يبالي المدلجون بغاره ... إلى بابه أن لا تضيء الكواكب
أصم عن الفحشاء حتى كأنه ... - إذا ذكرت في مجلس القوم - غائب ...
له حاجب عن كل أمر يشينه ... وليس له - عن طالب العرف - حجب
فيصف ممدوحه بالكرم، وبالبعد عن كل ما يدنس النفس أو يشينها، ولهذا فإن القادمين إليه ليلاً لا يبالون بأن تضيء الكواكب أو لا تضيء، لأن نيران القرى التي يوقدها ليلاً تهديهم إلى بابه، وإذا ما ذكرت الفحشاء في مجلس القوم، أصم أذنيه عن سماعها، حتى كأنه ليس حاضراً مجلسهم،