فله حاجب يحفظه من كل ما يشين النفس أو يدنسها، ولكنه ليس له حاجب يحجبه عن طالب معروفه فكلمة (حاجب) في شطري البيت الأخير: مسند إليه نكرة، ولكن تنكيرها في الشطر الأول كان لتعظيم المسند إليه، وتنكيرها في الشطر الثاني لتحقيره، وذلك لأنك - بعد أن عرفت غرض الشاعر وهو المدح - تكون قد عرفت - أيضاً: أن الحاجب الذي يحجبه عن كل ما يدنس نفسه أو يشينها، ينبغي أن يكون حاجباً عظيماً، وأن الحاجب المنفي عن طالب معروفه ينبغي أن يكون ضئيلاً رقيقاً، إذ ليس له حاجب ما.
وهكذا تجد الشاعر قد جمع - في بيت واحد - بين تعظيم المسند إليه، تحقيره بالتنكير.
وقد رأيت كيف تلاعب الشاعر بالألفاظ، فجعل الحاجب تارة مثبتاً، وتارة منفياً لممدوح واحد، مما أثار انتباه المتذوق لشعره، ولكنه بعد أن علم أن الحاجب نوعان: نوع يحجب الصغائر والدنايا؛ ونوع يحجب طالبي العرف، وأنه قد أثبت الأول لممدوحه قوياً متيناً، ونفى الثاني عنه ولو كان ضئيلاً هزيلاً، اطمأن قلبه لهذا التفسير اللطيف، وانبسطت أساريره لهذه المتعة البلاغية.
وهذا أبو دؤاد الإيادي - أحد نعات الخيل كما يقول الأصمعي - يصف فرسه فيقول:
ولقد اعتدى، يدافع عني ... أحوذي - ذو ميعة، إضريج
سلهب، شرجب، كأن رماحا ... حملته، وفي السرأة دموج
الأحوذي: الحاذق المشمر للأمور، والسريع فما أخذ به، والميعة: أول الشيء، وميعة الفرس: أول جريه، والإضريح: الفرس الشديد